ويقول بلزوم تقوية باعث الدين، على باعث الشهوة (بإطماعه في الثمرات الدينية للمجاهدة، وتعويده مصارعة باعث الهوى، وأن يكلف نفسه في أعماله أعمالا تخالف ما اعتاد، مراعيا في ذلك التلطف والتدريج، فيترك البعض ويسلي نفسه بالبعض، ثم إذا قنعت نفسه بذلك البعض، ابتدأ بترك البعض إلى أن يقنع بالبقية، وهكذا يفعل شيئا فشيئا إلى أن يقمع تلك الصفات التي (رسخت فيه)، ولتضعيف باعث شهوة الوقاع مثلا، يرى الغزالي قطع مادة قوتها بالصوم الدائم، مع الاقتصار عند الإفطار على طعام قليل في نفسه، ضعيف في جنسه، والاحتراز عن اللحم، ثم يقطع أسبابه المهيجة في الحال بالعزل والاحتراز عن مظان وقوع البصر على الصور المشتهاة (إذا النظر يحرك القلب، والقلب يحرك الشهوة) والفرار منها بالكلية، ثم بتسلية نفسه بالمباح من الجنس الذي يشتهيه (وذلك بالنكاح)!
ويقول الغزالي إن مريض الأخلاق يحتاج إلى التصديق بأمور:
(1) أولها الإيمان بأن للسعادة في الآخرة سببا هو الطاعة، وللشقاوة سببا هو المعصية (كما أن للمرض والصحة أسبابا يتوصل إليها بالاختيار على ما رتبه مسبب الأسباب)!
(2) وثانيها العلم بصدق الرسول والإيمان بما جاء به (كما أنه لا بد أن يعتقد المريض في طبيب معين، أنه عالم بالطب حاذق فيه)!
(3) وثالثها الإصغاء إلى آيات التحذير من اتباع الهوى وارتكاب الذنوب، وأنها يتعجل في الدنيا شؤمها في غالب الأمر، حتى أنه يضيق على العبد رزقه، وقد تسقط منزلته من القلوب، ويستولي عليه أعداؤه، ويفقد المناجاة، ويسود وجه قلبه بالخوض في الذنوب (إذ لا بد أن يصغي المريض إلى الطبيب فيما يحذره عنه من الأسباب المضرة على الجملة، حتى تكون شدة الخوف باعثة على الاحتماء).
(4) ورابعها العلم بذنبه المخصوص، وبالذنوب جميعها وآفاتها، وكيفية التوصل إلى الصبر عنها، وتكفير ما سبق منها (إذ يجب على المريض أن يصغي