الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٠٤
تسمو بالروح، أو لذات روحية معنوية تطربها، لذلك قال مجاهد في قوله تعالى " وأزواج مطهرة " قال من الحيض والغائط والبول والبصاق والنخامة والمنى والولد، فارتفع بلذة الأكل والشرب والنكاح، من المستوى البهيمي إلى مرقاة الروح!
فوضع الأزهار والرياحين الجميلة على المائدة، لا يلهب الرغبة في الطعام، بل يجعلها شريفة ويوجد حولها جوا روحيا يسمو بها بعض السمو!
وكذا غسل اليد، وكذا البدء ببسم الله في أوله وبحمده في آخره، وكذا إكثار الأيدي على الطعام، ولا ريب في أن القصد من هذا هو السمو بلذة الأكل وإحاطتها بأجواء روحية، تخرجها بقدر الإمكان عن ماديتها!
وكذا يمكن القول عن الصلة بين المرء وزوجه، هل يمكن قصرها على الصلة البهيمية وإبعاد الصلة القلبية الروحية، أم أن الصلة القلبية الروحية هي الأصل وما عداها تابع؟! ثم لماذا ننكر خطر الإشعاع الروحي؟ أما القول بأن السمو الروحي يعترضه أن كل شخص لا يمكن أن يتعدى درجته من النعيم، فمردود (1) بأنه لن يتعدى درجته، لأن ما حولها من نعيم يهيئ له السمو الروحي الدرجة المقدرة له!
هذا إذا جاريناهم لنستدرجهم، لأنه لم يقل أحد بتحديد اللذة، وإن كنا نختلف في درجات النعيم، فكما أنك في الدنيا، لك أن تستعمل ملكك في كل أوجه الاستعمال إلا الاستعمال المنافي للقانون أو الذي فيه إساءة الاستعمال الحق أو التعدي على الغير، فأقل ما يتصور أن تكون كذلك في الآخرة، لا يجد من استعمالك إلا بعد هذا الاستعمال عن جو السمو الروحي الذي يشع على المؤمنين، ثم إن تحديد الدرجات لا يمنع من أن أتمتع بكل ما أستطيع من النشوة الروحية، لأن الممنوع ليس الصعود في نشوتي بل الرقي عن درجتي، ثم إن الذي يحدد هذه الدرجة هو معرفة الله، فبقدر معرفته سبحانه ستكون درجات

(١) هذا ردنا على كلمتي الأستاذين محمد على حسنين جويق وداود حمدان ص ١٥٦٩ و ١٥٧٠ لمجلة الرسالة العدد 318 س 7 لمحمود علي قراعة.
(٣٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»