الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٠٣
لأن الرأي أنه جل شأنه، لا يرى ولا يحس إلا بعيون مخلوقة له ومجلي لائق باستعداد الرائي كما نقله الآلوسي عن بعض المحققين في تفسير قوله تعالى " وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة "، أنه إذا رفع الحجاب بينه تعالى وبينهم، ينظرون إليه وينظر إليهم عز وجل، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية، فيرونه سبحانه، لكن لا من حيث ذاته البحث، ولا من حيث كل تجل حتى تجليه بنوره الشعاعي الذي لا يطاق، بل بتجل مطاق لهم وملائم لاستعدادهم، وأن هذا الحجاب غير الحجاب المشار إليه في حيث " حجابه النور، لو كشفه، لأحرقت سبحات وجهه (أنواره وجلاله وعظمته التي خر منها موسى صعقا (1)، وتقطع الجبل دكا لما تجلى عليه) كل شئ أدركه بصره، فلا معنى لرؤية ذاته تعالى عند المحققين إلا رؤية حجابه (حجاب التنزل والتجلي)، كما أنه لا معنى لرؤية ذواتنا إلا رؤية ألوانها وأصواتها (2)، وهذه لذة روحية عند من يفهمون الروحانيات!
الصلة بين اللذتين الروحية والحسية:
نحن نؤمن بأن لذة النظر إلى وجه الله تعالى تفوق كل اللذات، وأن لذة اللقاء والرضا أسمى نعيم. وإنا نرى أن اللذات الأخرى الثانوية لذات حسية

(1) سأل كليم الله موسى ربه تعالى النظر إليه، فقال له ربه تبارك وتعالى " لن تراني، ولكن انظر إلى الجبل، فإن استقر مكانه، فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل، جعله دكا " فأجابه بقوله " لن تراني " ولم يقل لا تراني ولا أني لست بمرئى، وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى يرى، ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار (الدنيا) لضعف قوة البشر فيها عن رؤيته تعالى. راجع ص 52 - 54 من حادي الأرواح لابن القيم.
(2) راجع ص 102 من أحكام الروح لأستاذنا المرحوم الشيخ حسنين مخلوف العدوي
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 ... » »»