أن يكون الغيب مثل الشهادة، بل الحقيقة غير الحقيقة، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنه " ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء " - ولذلك لا يبعد فهم أن تكون لذة الجنة من هذه الأشياء أسمى من لذة الدنيا، لذة روحية حسية - وروحية بمعنى أن للروح النصيب الأكبر منها ومن نشوتها!
ولا ريب في أن لذة النظر إلى وجه الله تعالى تفوق كل اللذات، وأن لذة اللقاء والرضا أسمى نعيم، وأن اللذات الأخرى ثانوية - وإن تكن عظيمة في نفسها، لأن ذكر الله لها كجزاء للعمل الصالح أكبر دال على عظمها - ولكن لا ريب في أنها مهما عظمت، فإنها لا تقاس عند المؤمن الفاني في الله عز وجل المحب له سبحانه وتعالى، باللذة العظمى لذة رؤيته ولذة رضوانه (1)!
ثم إن الأخذ بروحية اللذات، لا يتعارض مع البعث والنشور، والرأي أنه سواء أخذنا بإعادة المعدوم في الكل، أو جمع ما تفرق من الأجزاء، أو إعادة ما انعدم بذاته من الأجزاء وتأليف ما تفرق منه، فإنها إذا أعيدت في الآخرة، فلا بد أن يجمعها الله تعالى في نشأة أخرى، مستعدة للبقاء غير قابلة للفناء، مهيأة لما تلقاه من النعيم أو العذاب، وتكون الأرواح فهيا قوالب الأبدان والأبدان من جنس أرواحها كما ذكره ابن القيم، وإن جميع الإدراكات من سمع وبصر ولذة ة وألم، لا تكون متفرقة في مواضع البدن كما هي في نشأة الدنيا، بل يوصف كل جزء بأنه سميع بصير متلذذ متألم كما تقتضيه نشأته " وننشئكم فيما لا تعلمون "، ومعنى " كما بدأنا أول خلق نعيده "، أنا نعيد أول خلق مماثلا للذي بدأنا، والتشبيه يقتضي المغايرة (2) وهذا لا ينافي إعزاز اللذة الروحية!
وكذلك روحية اللذات لا تتعارض مع صريح الآيات في رؤية الله تعالى (3)