أحد وجهين: أحدهما أن يفارق هذا الهيكل، ويخلف وراء هذا المنزل، فيطلع على ذلك! والثاني أن يزيل قبل مفارقة الهيكل، الأمراض النفسانية، فيطلع من وراء ستر رقيق على ما أعد له (1) "!
ولكنا لا نستطيع الأخذ بنظرية التصوير هذه، ونستبعدها، لمعارضتها لكثير من النصوص، وسبق وجود جنة بها أشياء مادية، وخرج منها أبوانا آدم وحواء، لأكلهما من الشجرة المحرمة (2)!
ويتشبث أصحاب النظرية الحسية ببديهية أن الإنسان مكون من جسد وروح، ولقد ذكر الخوارزمي (3) " أن الأفعال والتدبير والآراء كلها تصدر من الجسد الحي، وأن الطاعة والمعصية حصلتا منهما جميعا، وأن الثواب بالطاعة والعقاب بالمعصية، إنما صدر من الجسد بواسطة الروح، فيجب أن يكون العقاب والثواب لهما، وأن كلا منهما محتاج لصاحبه، لولا الروح، لكان القالب خشبا مسندة، ولولا القالب، لما كان الروح!
فكل راض وفاعل وعامل من وجه، فيكون الخطاب والثواب لهما جميعا " حتى قال ابن عباس رضي الله عنه: لم تزل الخصومة قائمة إلى يوم القيامة، حتى تختصم الروح مع الجسد، فيقول الجسد " أي رب! خلقتني كالجثة، ولم تجعل لي يدا أبطش بها، ولا رجلا أمشى بها، ولا عينا أبصر بها، حتى دخل هذا على كالشهاب، فبه نطق لساني وسمعت أذني وأبصرت عيني وبطشت يدي، فأحل عليه العذاب، ونجني من النار "، فتقول الروح " يا رب! خلقتني كالريح، ولم تجعل لي يدا ورجلا وعينا وسمعا، فلم أتحرك إلا بحركته، ولم أسكن إلا بسكونه