الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٠٩
أحد وجهين: أحدهما أن يفارق هذا الهيكل، ويخلف وراء هذا المنزل، فيطلع على ذلك! والثاني أن يزيل قبل مفارقة الهيكل، الأمراض النفسانية، فيطلع من وراء ستر رقيق على ما أعد له (1) "!
ولكنا لا نستطيع الأخذ بنظرية التصوير هذه، ونستبعدها، لمعارضتها لكثير من النصوص، وسبق وجود جنة بها أشياء مادية، وخرج منها أبوانا آدم وحواء، لأكلهما من الشجرة المحرمة (2)!
ويتشبث أصحاب النظرية الحسية ببديهية أن الإنسان مكون من جسد وروح، ولقد ذكر الخوارزمي (3) " أن الأفعال والتدبير والآراء كلها تصدر من الجسد الحي، وأن الطاعة والمعصية حصلتا منهما جميعا، وأن الثواب بالطاعة والعقاب بالمعصية، إنما صدر من الجسد بواسطة الروح، فيجب أن يكون العقاب والثواب لهما، وأن كلا منهما محتاج لصاحبه، لولا الروح، لكان القالب خشبا مسندة، ولولا القالب، لما كان الروح!
فكل راض وفاعل وعامل من وجه، فيكون الخطاب والثواب لهما جميعا " حتى قال ابن عباس رضي الله عنه: لم تزل الخصومة قائمة إلى يوم القيامة، حتى تختصم الروح مع الجسد، فيقول الجسد " أي رب! خلقتني كالجثة، ولم تجعل لي يدا أبطش بها، ولا رجلا أمشى بها، ولا عينا أبصر بها، حتى دخل هذا على كالشهاب، فبه نطق لساني وسمعت أذني وأبصرت عيني وبطشت يدي، فأحل عليه العذاب، ونجني من النار "، فتقول الروح " يا رب! خلقتني كالريح، ولم تجعل لي يدا ورجلا وعينا وسمعا، فلم أتحرك إلا بحركته، ولم أسكن إلا بسكونه

(١) راجع ص ٥٩ - ٦٢ من تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين للأصفهاني.
(٢) اختلف في تعيين شجرة المحنة، فقال ابن مسعود هي الكرم، وقال ابن عباس هي السنبلة، وقال ابن جريج هي شجرة التين! ويقول ابن عطية إن الصواب أن يعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة، فخالف هو إليها، وعصى في الأكل منها، وقيل إنهما أكلا من غير التي أشير إليها (جنسها لا عينها) وقيل إنهما نسيا الوعيد. راجع صفحة ٣٠١ - ٣٠٧ من تفسير القرطبي ج ١.
(3) راجع ص 60 و 129 من مفيد العلوم ومبيد الهموم للخوارزمي.
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»