إذ سطع لهم نور، أشرقت له الجنة، فرفعوا رؤسهم، فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه، قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: " يا أهل الجنة! سلام عليكم "، فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم " اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام "، فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم، ويقول: " يا أهل الجنة! "، فيكون أول ما يسمعون منه تعالى " أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب، ولم يروني، فهذا يوم المزيد "، فيجتمعون على كلمة واحدة " أن قد رضينا، فارض عنها "، فيقول " يا أهل الجنة! إني لو لم أرض عنكم، لم أسكنكم جنتي! هذا يوم المزيد، فاسألوني "، فيجتمعون على كلمة واحدة " أرنا وجهك ننظر إليه "، فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله تعالى قضى أن لا يحترقوا، لاحترقوا، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة، حتى أنه ليقول " يا فلان! أتذكر يوم فعلت كذا وكذا... "، يذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول " يا رب! ألم تغفر لي؟ "، فيقول " بلى! بمغفرتي بلغت منزلتك هذه "، فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة، ويا قرة عين الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة، ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة " وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة، ووجوه يومئذ باسرة، تظن أن يفعل بها فاقرة "!
وقد قال الشافعي عند تلاوة قوله تعالى " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون "، أنه لما احتجب هؤلاء في السخط، كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا، فالرب تبارك وتعالى يرى ولا يدرك، كما يعلم ولا يحاط به، فالمؤمنون يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم عيانا، ولا تدركه أبصارهم، " لا تدركه الأبصار (1) وهو يدرك الأبصار "!
وقال تعالى " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة، ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، أي أنه سبحانه يكلم عباده المؤمنين، وقد أخبر الله سبحانه أنه يسلم على أهل