الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٠٧
والخلق الأعلى الأشرف، وما نزههم الله عنه من هذه القاذورات، علموا بالجملة أنهم أقرب إلى الله تعالى وأعلى رتبة من الناس، وأنهم غير محتاجين إلى شئ من حاجات البشر، بل يعلمون أن خالقهم وخالق كل شئ، الذي تولى إبداع الكل، هو منزه عن هذه الأشياء، متعال عنها غير موصوف باللذة والتمتع، مع التمكن من إيجادها، وأن الناس يشاركون في هذه اللذات الخنافس والديدان وصغار الحشرات والهمج من الحيوان، وإنما يناسبون الملائكة بالعقل والتمييز "!
وبذا ترى ابن مسكويه، وضع لنا أساسا ساميا نبيلا في تقدير اللذات، وأن أسماها ما كان ربانيا! ويقول " إن الإنسان ذو فضيلة روحانية، يناسب بها الأرواح الطيبة التي تسمى ملائكة، وذو فضيلة جسمانية، يناسب بها الأنعام لأنه مركب منهما، فهو بالخير الجسماني الذي يناسب به الأنعام، مقيم في هذا العالم السفلي مدة قصيرة ليعمره وينظمه ويرتبه، حتى إذا ظفر بهذه المرتبة على الكمال، انتقل إلى العالم العلوي، وأقام فيه دائما سرمدا، في صحبة الملائكة والأرواح الطيبة "!
وابن مسكويه يقرر أنه " ليس يعني بالعلوي المكان الأعلى في الحس، ولا بالسفلى المكان الأسفل في الحس، بل كل محسوس فهو أسفل، وإن كان محسوسا في المكان الأعلا، وكل معقول فهو أعلا، وإن كان معقولا في المكان الأسفل " ثم يذكر لنا أن " للحس لذة عرضية على حدة، وأن للعقل لذة ذاتية على حدة، وأن من لا يعرف اللذة الذاتية، لا يعرف اللذة بالحقيقة ولا يلتذ بها! " وهو يسمى اللذة الناقصة التي تشاركنا فيها الحيوانات " لذة انفعالية " ويسمى التامية التي يختص بها الحيوان الناطق " لذة فعلية أي فاعلة " وسمى اللذات الحسية المقترنة بالشهوات " عرضية، لأنها تزول سريعا وتنقضي وشيكا، بل تنقلب لذاتها فتصير غير لذات، بل تصير آلاما كثيرة أو مكروهة بشعة مستقبحة، أما اللذة الذاتية فتسمى كذلك، لأنها لا تصير في وقت آخر غير لذة، وتنتقل عن حالتها، بل هي ثابتة أبدا "!
وخرج ابن مسكويه من هذا بالحكم بأن " السعيد تكون لذته ذاتية لا عرضية،
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»