يهيمون بمعشوقيهم، لا يهيمون بهم على الحقيقة، وإنما هم يهيمون بالذات الإلهية التي صورت تلك الصور، فأحسنت خلقها!
فالذي يشوق، هو الحياة في العيون، حياة بريقها وحياة سحرها، والحياة في الحديث والحياة في الابتسامة، وإن خفة الروح هي التي تحبب إلينا الجميل، تحبب إلينا حديثه، فنجعله مغناطيسا جاذبا لقلوبنا وتبعث إلينا فتنة فتور عينيه، وترسل إلينا تحية ابتسامته، وأنها صلة روحية، يعوزنا لتذوقها أن نتفهمها لنحول بينها وبين البهيمية، ولنقدس بها المنعم علينا بها!
ولقد ظن قوم - كما قال ابن مسكويه في كتابه تهذيب الأخلاق - " أن كمال الإنسان وغايته هما في اللذات الحسية، وأنها هي الخير المطلوب والسعادة القصوى! وظنوا أن جميع قواه الأخرى، إنما ركبت فيه من أجل هذه اللذات والتوصل إليها، وأن النفس الشريفة التي سميناها ناطقة، إنما وهبت له ليرتب بها الأفعال ويميزها ويوجهها نحو هذه اللذات، لتكون الغاية الأخيرة، هي حصولها على النهاية والغاية الجسمانية! وظنوا أيضا أن قوى النفس الناطقة (أعني الذكر والحفظ والروية)، كلها تراد لتلك الغاية، وقالوا وذلك أن الإنسان إذا تذكر اللذات التي حصلت له بالمطاعم والمشارب والمناكح، اشتاق إليها وأحب معاودتها، قد صارت منفعة الذكر والحفظ إنما هي الذات وتحصيلها، ولأجل هذه الظنون التي وقعت لهم، جعلوا النفس المميزة الشريفة كالعبد المهين، وكالأجير المستعمل في النفس الشهوية، لتخدمها في المآكل والمشارب والمناكح، وترتبها لها، وتعد لها إعدادا كاملا موافقا! وهذا هو رأي الجمهور من العامة الرعاع وجهال الناس السقاط، وإلى هذه الخيرات التي جعلوها غايتهم، تشوقوا عند ذكر الجنة والقرب من بارئهم عز وجل، وهي التي يسألونها ربهم تبارك وتعالى، في دعواتهم وصلواتهم، وإذا خلوا بالعبادات، وتركوا الدنيا وزهدوا فيما، فإنما ذلك منهم على سبيل المتجر والمرابحة في هذه بعينها، كأنهم تركوا قليلها ليصلوا إلى كثيرها، وأعرضوا عن الفانيات منها، ليبلغوا إلى الباقيات، إلا أنك تجدهم مع هذه الاعتقادات وهذه الأفعال، إذا ذكر عندهم الملائكة