الفكرة الحسية في الدرجة الثانوية، بل ونسموا بها إلى فهمها الفهم القريب من الروح، ونحن بذلك نسمو باللذة الممكن تصورها في الجنة، من غير نكران لحسيتها، بجعلنا الحسي تابعا للروحي، إذ أكثر جزئياته روحية!
ولو تدبرت قوله تعالى في سورة السجدة " فلا تعلم نفس، ما أخفى لهم من قرة أعين، جزاء بما كانوا يعلمون "، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي عن ربه تعالى " أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر "، لو صلت إلى أن المذكور في القرآن في سورتي الرحمن والواقعة وغيرهما، وفي الأحاديث الصحيحة، لا يفيد أن المذكور، مذكور على سبيل الحصر، بل على سبيل التمثيل لما سيوجد، ولعرفت أنا وقد ستبعدنا الأخذ بالنظرية التصويرية، لمخالفتها لكثير من النصوص، وما تحتمله قرائنها مثل الطمث للحور، لا نجد أمامنا إلا أحد أمرين: إما أن تأخذ بالنظرية الحسية (أي بتغليب اللذات الحسية على الروحية)، أو أن نأخذ بالنظرية الروحية التي تغلب اللذة الروحية على الحسية، فلو أخذنا بحسيتها تغليبا، لنزلنا بها ولشبهناها بلذة الدنيا المتواضعة، فأخرجناها من سموها الذي يجب أن تكون فيه، لتتلاءم مع نفوس أصحابها، ولذا لم يكن بد من أن نأخذ بروحية اللذات تغليبا!
على أن أسمى لذات الجنة بعد رضوان الله تعالى، دوامها، دوامها وأبدية الجنة، ولقد سمى الله تعالى الجنة بالحيوان في قوله " وإن الدار الآخرة، لهي الحيوان "، والمراد بها الجنة عند أهل التفسير، أي لهي دار الحياة الدائمة التي لا موت فيها ولا تنغيص ولا نفاد لها! ولا ينفي هذه الأبدية الاستثناء الوارد في قوله تعالى " وأما الذين سعدوا، ففي الجنة، خالدين فيها ما دمت السماوات والأرض، إلا ما شاء ربك، عطاء غير مجذوذ (1) "، لأنه سبحانه أكد خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن، وأخبرهم أنهم لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، فيمكن أن يقال إنه سبحانه أخبر عن خلودهم في الجنة في