الحقائق الإسلامية في الرد على المزاعم الوهابية - حاج مالك بن الشيخ داود - الصفحة ٤٤
هذا ومن الغريب جدا أن يكون باب الاجتهاد مفتوحا أمام الجميع يتسارع إليه الفقيه والسفيه ويتزاحم لديه العالم المتبحر والجاهل المتكبر. يتقيد هذا بعلمه ويتخبط ذاك بجهله كلا! إنها محض دعوى أريد بها تضليل العوام وتلبيس الحقائق بالأحلام ليس غير.
فالاجتهاد في نظر المحققين رتبة في غاية السمو والارتفاع ومن المستحيل أن تحاول الوصول إليه عصبة من المتخلفين الذين كان الجدال - ولا يزال - هو مبلغهم من العلم ومنتهى حظهم في الفهم وقد سولت لهم أنفسهم أن يجوزوا لأنفسهم ولغيرهم الاستنباط من القرآن والأخذ بظاهر الآيات والأحاديث علما منهم بأن ذلك أقرب وسيلة وأنجح حيلة لصيد عقول الجهال ونيل الشهرة والرياسة لدى الأميين الذين لا يميزون بين السقيم والمستقيم لأنهم يقولون: نحن نقول قال الله أو قال رسول الله وغيرنا يقول قال مالك وقال شيخ فلاني.
ومن هنا أنكروا التقليد بأئمة المذاهب وبالغوا في نقدهم والاعتراض عليهم و تراهم يتساءلون فيما بينهم كيف نترك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ونقلد بالأئمة في اجتهادهم المحتمل للخطأ؟ وكيف نترك قول الله ورسوله ونأخذ بقول مالك أو بقول شافعي أو بقول فلان وفلان؟ وقد أجابهم بعض المحققين في تلك التساؤلات بقوله [1] إن تقليد الأئمة في اجتهادهم ليس تركا للآيات والأحاديث كما يزعمون بل هو عين التمسك والأخذ بهما فإن القرآن الكريم ما وصل إلينا إلا بواسطتهم مع كونهم أعلم منا بناسخه ومنسوخه ومطلقه ومقيده ومجمله ومبينه ومتشابهه ومحكمه وأسباب نزوله ومعانيه وتأويلاته ولغاته وسائر علومه وتلقيهم ذلك عن التابعين المتلقين عن الصحابة الذين تلقوا مباشرة عن الشارع الأمين صلوات الله وسلامه عليه المعصوم من الخطأ والهفوات.
وكذلك الأحاديث ما وصلت إلينا إلا بواسطتهم مع كونهم أعلم ممن بعدهم بصحيحها وحسنها وضعيفها ومرفوعها ومرسلها ومتواترها وآحادها ومعضلها وغريبها وتأويلها وتاريخ المتقدم والمتأخر والناسخ والمنسوخ وأسبابها ولغاتها وسائر علومها مع

(1) وهو العلامة الشيخ محمد أحمد عليش في كتابه فتح العلي المالك صفحة 100
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»