شاع ذلك حتى صار معلوما من الدين بالضرورة.
ومعلوم عند كل أحد أن رتبة الاجتهاد قد انقطعت منذ أزمان وأنه ليس في أبناء هذا الزمان أحد من الذين بلغوا درجة الاجتهاد، ومن توهم ذلك فقد غره هواه، ولعب به الشيطان.
لذلك كان من حقنا - نحن الخلق - أن نقلد هؤلاء الأئمة بدلا من الاجتهاد الذي لم يصل إليه أفهامنا فالاجتهاد له شروط وبدونها يكون تلاعب وسخرية بشريعة الرسول صلى الله عليه وسلم أعاذنا الله من ذلك وقد قال ابن القيم [1] في كتاب " إعلام الموقعين " لا يجوز لأحد أن يأخذ من الكتاب والسنة ما لم تجتمع فيه شروط الاجتهاد من جميع العلوم. فمن هذه الشروط أن يكون فقيها عالما بكتاب الله حافظا له عارفا باختلاف قراءته، واختلاف قرائه بصيرا بتفسيره خبيرا بمحكمه ومشابهة وناسخه ومنسوخه وقصصه. ومنها أن يكون عالما بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مميزا بين صحيح أحاديثه وسقيمها. ومنها أن يكون ورعا، دينا، صائنا لنفسه، صدوقا، ثقة يبنى مذهبه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فاتته واحدة من هذه الخصال كان ناقصا فلا يجوز له أن يكون مجتهدا يقلد به الناس.
وسأل رجل أحمد بن حنبل [2] إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث هل يكون فقيها قال لا قال فمائتي ألف حديث قال لا قال فثلاثمائة ألف حديث قال لا قال فأربعمائة ألف حديث قال نعم ويقال إن أحمد بن حنبل أجاب عن ستمائة ألف حديث.
هذا ولا يجهل أحد منا أن العلماء في كل زمان ومكان كالنووي والسيوطي و أحمد بن تيمية وابن القيم والفخر الرازي وطنطاوي والغزالي وابن القاسم وخليل بن إسحاق وغيرهم كانوا جميعا على تقليد بالأئمة مع أن كل واحد منهم له اليد الطولى في كل فن من الفنون ولكن لما علموا أنهم لم يصلوا إلى رتبة الاجتهاد وقفوا عند حدهم و كانوا من جملة المتقلدين. " ورحم الله امرءا عرف قدره ولم يتعد طوره. "