قرره قبلهم بعشرات القرون الفلاسفة الأقدمون مثل أفلاطون وغيره من الفلاسفة، فالمسألة متفق عليها بين علماء الدين وعلماء الدنيا، أو نقول بين المسلمين وغير المسلمين، أو نقول بين أهل الأثر والنقل، وبين أهل الفلسفة والعقل، أما إذا اعترف الوهابيون بأن للأموات إدراكا وعلما وسماعا وأنهم يدعون ويردون السلام إلى غير ذلك، كما ورد في السنة ثم منعوا طلب ذلك منهم كانوا متناقضين، أو نقول كانوا ممن يسلم المقدمات وينازع في النتيجة، أو ممن يقطع اللوازم عن ملزوماتها وهو مما لا يقول به عاقل فضلا عن فاضل، على أننا ذكرنا في ذلك ما يقطع الشغب من أصله والمراء من أسه، وذلك هو الحديث الصحيح الذي رويناه عن عثمان بن حنيف في التوسل به في حياته صلى الله تعالى عليه وسلم وبعد مماته وقد قال فيه:
يا محمد: اشفع لي عند ربك، ولا معنى لشفاعة إلا الدعاء الذي يكون منه صلى الله تعالى عليه وسلم.
وفي الحديث الصحيح: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وفي حديث آخر:
بحق نبيك والأنبياء قبله، فالتوسل بالصالحين والدعاء ثابت وواقع.
وقد قلنا في بعض ما كتبناه، لا معنى لكون هذا شركا = كما يقوله الوهابيون =، فإن الحي إذا طلب من الميت الذي هو حي بروحه متمتع بلوازم الحياة وخصائصها فإنما يطلب منه على سبيل التسبب والاكتساب لا على سبيل الخلق والإيجاد، لأنه ليس من المعقول أن يرفعه عن رتبة الحي، وهو إذا طلب من الحي فإنما يطلب منه على هذا الوجه لا على جهة الخلق والإيجاد، والطلب من المخلوق على سبيل التسبب ليس شركا ولا كفرا، فلا معنى لتكفير المسلمين بذلك.
ولو فرضنا أن الميت لا عمل له، فإن خطأ المنادي أو المستغيث على هذا الفرض إنما هو في اعتقاد السببية لا الألوهية، واعتقاد السببية في غير الله ليس هو اعتقاد الإلهية كما يظنه الجاهلون، وقد عرفت مما قدمناه أنه ليس غلطا أيضا وإنما الغالطون هم الوهابيون، وإن كان التوسل بمنزلة عند الله فالأمر واضح، لأن الموت لا يغير المنزلة عند الله تعالى.