البقعة وقد تقدم التنبيه على الفرق بينهما ثم إن هذه شهادة على نفي يصعب إثباتها وإن كنا مستغنين عن منعها وتسليمها.
وقوله حتى أن قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم هذا هو المقصود في هذه المسألة، وقوله له يثبت عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لفظ بزيارته، قد تقدم إبطال هذه الدعوى وتحقيق ثبوت الحديث فيها، وقوله ولهذا لم يكن على عهد الصحابة والتابعين مشهد يزار على قبر نبي ولا غير نبي فضلا عن أن يسافر إليه إلى آخر كلامه إن أراد ما يسمى مشهدا، فموضع قبره صلى الله تعالى عليه وسلم لا يسمى مشهدا وكلامنا إنما هو فيه، وإن أراد أنه لم يكن في ذلك الزمان زيارة لقبر نبي من الأنبياء فهذا باطل لما قدمناه، وبقية كلامه وتقسيمه الزيارة إلى شرعية وبدعية سبق الكلام عليه، وفيه اعتراف بمطلق الزيارة ويلزمه الاعتراف بالسفر إليها، ولا يمنع من ذلك كون نوع منها يقترن به من بعض الجهال ما هو منهي عنه، فمن ادعى أن الزيارة من غير انضمام شئ آخر إليها بدعة فقد كذب وجهل، ومن حرمها فقد حرم ما أحله الله تعالى، ومن أطلق التحريم عليها لأن بعض أنواعها محرم أو يقترن به محرم فهو جاهل.
وهكذا من امتنع من إطلاق الاستحباب على الزيارة من حيث هي لوقوع بعض أنواعها من بعض الناس على وجه التحريم فهو جاهل أيضا فإن الصلاة قد تقع على وجه منهي عنه كالصلاة في الدار المغصوبة وما أشبه ذلك ولا يمنع ذلك من إطلاق القول بأن الصلاة قربة أو واجبة، فهكذا أيضا الزيارة من حيث هي قربة لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: زوروا القبور وإن كان بعض أنواعها يقع على وجه منهى عنه، فيكون ذلك الوجه منها منهيا عنه وحده، والحكم بالابتداع على هذا النوع لا يضرنا، ونحن نسلمه ونمنع من يفعله، والحكم بالابتداع على المطلق عين الابتداع.
وأما الشبهة الثالثة، وهي إن من أصول الشرك بالله تعالى اتخاذ القبور المساجد كما قال طائفة من السلف في قوله تعالى: (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا)، قالوا: كان هؤلاء قوما صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم وثم صوروا على صورهم تماثيل ثم طال عليهم الأمد فعبدوها، وتخيل ابن تيمية إن منع الزيارة والسفر إليها من باب المحافظة على التوحيد وإن فعلها مما