وأما القسم الثالث وهو أن يقصد بالزيارة الاشراك بالله تعالى فنعوذ بالله منها وممن يفعلها ونحن لا نعتقد في أحد من المسلمين إن شاء الله تعالى ذلك، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم: (اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد)، ودعاؤه صلى الله تعالى عليه وسلم مستجاب، وقد أيس الشيطان أن يعبد في جزيرة العرب، فهذا شئ لا نعتقده في أحد ممن يقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التمسح بالقبر وتقبيله والسجود عليه ونحو ذلك فإنما يفعله بعض الجهال ومن فعل ذلك ينكر عليه فعله ذلك وبعلم آداب الزيارة ولا ينكر عليه أصل الزيارة ولا السفر إليها، بل هو مع ما صدر منه من الجهل محمود على زيارته وسفره، مذموم على جهله وبدعته، وأما طلب الحوائج عند قبره صلى الله تعالى عليه وسلم فسنذكره في باب الاستغاثة بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم.
ولنتكلم على الشبهة الثانية والثالثة اللتين بنى ابن تيمية كلامه عليهما، أما الشبهة الثانية وهي كون هذا ليس مشروعا وإنه من البدع التي لم يستحبها أحد من العلماء لا من الصحابة ولا من التابعين ومن بعدهم فقد قدمنا سفر بلال من الشام إلى المدينة لقصد الزيارة، وإن عمر بن عبد العزيز كان يجهز البريد من الشام إلى المدينة للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وإن ابن عمر كان يأتي قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فسلم عليه وعلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهم، وكل ذلك يكذب دعوى أن الزيارة والسفر إليها بدعة، ولو طولب ابن تيمية بإثبات هذا النفي العام وإقامة الدليل على صحته لم يجد إليه سبيلا، فكيف يحل لذي علم أن يقدم على هذا الأمر العظيم بمثل هذه الظنون التي مستنده فيها إنه لم يبلغه وينكر به ما أطبق عليه جميع المسلمين شرقا وغربا في سائر الأعصار مما هو محسوس خلفا عن خلف ويجعله من البدع.
فإن قال إن الذي كان يفعله السلف من النوع الأول وهو السلام والدعاء له دون النوع الثاني والثالث، قلنا أما الثالث فلا استرواح إليه لأنا نبعد كل مسلم منه وأما النوع الأول والثاني فدعوى كون السلف كلهم كانوا مطبقين على النوع الأول وأنه شرعي، وكون الخلف كلهم مطبقين على الثاني وأنه بدعة من التخرص الذي لا يقدر على إثباته فإن المقاصد الباطنة لا يطلع عليها إلا الله تعالى، فمن أين له أن جميع السلف لم يكن أحد منهم يقصد التبرك أو أن جميع الخلف لا يقصدون إلا ذلك؟، ثم أنه قال فيما سنحكيه من كلامه أن أحدا لا يسافر إليها إلا لذلك، يعني لاعتقاده إنها قربة، وأنه