التوسل بالنبي (ص) وجهلة الوهابيون - أبي حامد بن مرزوق - الصفحة ١٤٣
الصحابة والتابعين ولا أمر بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، فمن اعتقد ذلك عبادة وفعلها فهو مخالف للسنة ولا جماع الأمة، وهذا مما ذكره أبو عبد الله بن بطة في (إبانته الصغرى) من البدع المخالفة للسنة والإجماع، وبهذا يظهر ضعف حجة أبي محمد فإن زيارة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لمسجد قباء لم تكن بشد رحل وهو يدلهم أن السفر إليه لا يجب بالنذر، وقوله:
أن قوله لا تشد الرحال محمول على نفي الاستحباب يحتمل وجهين:
أحدهما: أن هذا تسليم منه أن هذا السفر ليس صالح ولا قربة ولا طاعة ولا هو من الحسنات، فإذا من اعتقد في السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين أنها قربة وعبادة وطاعة فقد خالف الاجماع، وإذا سافر لاعتقاده أنها طاعة كان ذلك محرما بإجماع المسلمين فصار التحريم من الأمر المقطوع به، ومعلوم أن أحدا لا يسافر إليها إلا لذلك وأما إذا قدر أن الرجل يسافر إليها لغرض مباح فهذا جائز. وليس من هذا الباب.
الوجه الثاني: أن النفي يقتضي النهي، والنهي يقتضي التحريم، وما ذكروه من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فكلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث، بل هي موضوعة لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئا منها ولم يحتج أحد من الأئمة بشئ منها بل مالك إمام أهل المدينة النبوية الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة كره أن يقول زرت قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ولو كان هذا اللفظ معروفا عندهم أو مشروعا أو مأثورا عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكرهه عالم المدينة.
والإمام أحمد أعلم الناس في زمانه بالسنة لما سئل عن ذلك لم يكن عنده ما يعتمد عليه الأحاديث أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: (ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)، وعلى هذا اعتمد أبو داود في سننه وكذلك مالك في الموطأ، روي عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا دخل المسجد قال:
السلام عليك يا رسول الله. السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت ثم ينصرف.
وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: (لا تتخذوا قبري
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»