تعظيم لها فهو عبادة وأنها صارت بذلك أصناما وأوثانا وأن جعل الخدمة والسدنة لها كما كان يجعل المشركون السدنة لأوثانهم. وهذا جهل منهم لما بيناه مرارا في الفصول السابقة وفي تضاعيف كلماتنا من أن تعظيم من يستحق التعظيم واحترام من هو أهل للاحترام ليس عبادة له ما لم يعظم بشئ من خواص الربوبية كالسجود ونحوه وأن تعظيم المشركين لأصنامهم بجعل السدنة لها وغيره تعظيم لغير من عظمه الله ولمن نهى الله عن تعظيمه ولم يجعل له حرمة لكونه حجرا أو شجرا ونحو ذلك سواء كان على صورة نبي أو صالح أو لا أما قبور الأنبياء والصلحاء فقد شرفها الله وأوجب تعظيمها بتضمنها لجسد وليه ونبيه فمن عظمها فقد عظم الله تعالى وأطاع أمره ومن تعظيمها جعل السدنة والخدمة لها ليحفظوها من وقوع القاذورات والأوساخ عليها ويعينوا زوارها على حوائجهم ويسرجوا حولها ويفرشوا لمن أراد عبادة الله عندها بصلاة أو قراءة قرآن أو دعاء أو ذكر أو غير ذلك مما أمر الله به وشرعه في كل زمان ومكان سيما الأمكنة الشريفة كمشاهد الأنبياء والصلحاء (وأما) اتخاذها أعيادا فقال ابن تيمية في رسالة زيارة القبور (1): وفي السنن عنه (ص) أنه قال لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي حيث ما كنتم فإن صلاتكم تبلغني (أقول) وأورد هذا الحديث السمهودي في وفاء الوفا (2) هكذا: لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا " الحديث " (وفي رواية له) بدل وصلوا علي الخ فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم (وفي رواية) لا تتخذوا بيتي عيدا ولا بيوتكم مقابر ثم قال ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء. ومع تسليم سند هذا الحديث فقوله لا تتخذوا قبري عيدا لا يخلو من إجمال قال السمهودي: قال الحافظ المنذري يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارة قبره " ص " وأن لا يهمل حتى يكون كالعيد الذي لا يأتي في العام إلا مرتين قال ويؤيده قوله لا تجعلوا بيوتكم قبورا أي لا تتركوا الصلاة فيها حتى تجعلوها كالقبور التي لا يصلى فيها.
قال السبكي ويحتمل لا تتخذوا له وقتا مخصوصا ويحتمل لا تتخذوه كالعيد في الزينة والاجتماع وغير ذلك بل لا يؤتى إلا للزيارة والسلام والدعاء " انتهى " (وروى) السمهودي في وفاء الوفا أن رجلا كان يأتي كل غداة فيزور قبر النبي (ص) ويصلي عليه