صدوره منا فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. لأنا نقول: إنا نريد أن صدوره منه تعالى يدل على أنه لا قبح فيه لأنه تعالى منزه عن فعل القبيح فلا يكون صدوره منا قبيحا ونعم القدوة الله تعالى وإذا كان الله تعالى قد جعل لنفسه شريكا وأشرك بالشرك الأصغر (تعالى عن ذلك) فما على من اقتدى به في ذلك بأس. وقول القسطلاني في إرشاد الساري (1): لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه ليعجب به المخلوقين ويعرفهم قدرته لعظيم شأنها عندهم ولدلالتها على خالقها وأما المخلوق فلا يقسم إلا بالخالق قال:
ويقبح من سواك الشئ عندي * وتفعله فيحسن منك ذاكا (انتهى) كلام قشري لما عرفت من أن ما يقبح من العبد لكونه شركا أصغر وتشبيها للخلق في العظمة به تعالى لا يمكن أن يحسن منه تعالى إذ صدوره منه تعالى لا يخرجه عن تلك الصفة إن كانت والشعر الذي أورده لا يرتبط بما نحن فيه كما لا يخفى، وأما من النبي (ص) فعلا وتقريرا فمما رواه مسلم في صحيحه (2) أنه جاء رجل إلى النبي (ص) فقال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا فقال أما وأبيك لتنبأنه أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء (الحديث) وروى مسلم أيضا في كتاب الإيمان (3) أنه جاء رجل إلى رسول الله " ص " من أهل نجد يسأل عن الإسلام فقال رسول الله " ص " خمس صلوات في اليوم والليلة وصيام شهر رمضان والزكاة ومع كل واحدة يقول: هل علي غيرها وهو " ص " يقول لا إلا أن تطوع فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله " ص " أفلح وأبيه إن صدق أو دخل الجنة وأبيه إن صدق (وحكى) القسطلاني في إرشاد الساري (4) عن ابن عبد البر أن هذه اللفظة منكرة غير محفوظة تردها الآثار الصحاح " انتهى " (أقول) بل يعضدها حديث أما وأبيك لتنبأنه قال وقيل إنها مصحفة من قول والله. وقال القسطلاني وهو محتمل ولكن مثل هذا لا يثبت بالاحتمال لا سيما وقد ثبت من لفظ أبي بكر الصديق في قصة السارق الذي سرق حلي ابنته فقال وأبيك ما ليلك بليل سارق أخرجه في الموطأ وغيره (انتهى) " قال القسطلاني " وأحسن الأجوبة ما قاله البيهقي وارتضاه النووي وغيره أن هذا اللفظ كان يجري على ألسنتهم من غير أن