يبينوا حكم أمثاله ويجمعوا عليه ويوافق ما قلناه تعريف الإمام الغزالي للاجماع بقوله هو اتفاق الأمة المحمدية على أمر من الأمور والمراد باتفاق الأمة هو اتفاق علمائها كما لا يخفي قال المنكرون للإجماع إن انعقاده مجال واستدلوا على ذلك قائلين إن اتفاقهم فرع تساويهم في نقل الحكم إليهم وانتشارهم في البلاد القصية مانع من ذلك فأجيب بمنع كون الانتشار مانعا مع جدهم في البحث عن الأدلة وقالوا أيضا الاتفاق إما عن دليل قاطع أو ظني وكلاهما باطل أما القاطع فغير موجود كيف ولو كان لنقل فأغنى عن الإجماع فلما لم ينقل علم عدم وجوده وأما الظني فالاتفاق فيه ممتنع عادة لاختلاف القرائح وتباين الأنظار (والجواب) منع ما ذكر أما في القاطع فللاستغناء عن نقله بحصول الإجماع الذي هو أقوى منه وارتفاع الخلاف المحوج إلى نقله وأما الظني فلجواز أن يكون جليا مما لا يمنع اختلاف القرائح والأنظار الاتفاق فيه وإنما يمنعه فيما يدق ويخفى مسلكه قالوا لو سلمنا ثبوت الإجماع في نفسه فالعلم باتفاقهم محال واحتجوا بأن العادة قاضية أن لا يصادف أن يثبت عن كل واحد من علماء الشرق والغرب أنه حكم في المسألة الفلانية بالحكم الفلاني. وكذلك احتجوا أن نقل الإجماع مستحيل عادة لأن نقله من الآحاد لا يفيد فلا يعمل به في الإجماع والتواتر لا يتصور إذا الواجب فيه استواء الطرفين والواسطة ومن البعيدان يشاهد أهل التواتر جميع العلماء المتشتتين في البلاد شرقا وغربا ويسمعوا منهم. وينقلوا عنهم. هكذا طبقة بعد أخرى إلى أن يتصل بنا (والجواب) عن كلا الاحتجاجين واحد وهو أنه تشكيك في مصادمة الضرورة فقد علم قطعا إجماع الصحابة والتابعين على تقديم الدليل القاطع على المظنون وما ذلك إلا بثبوته عنهم ونقله إلينا
(٣٥)