طلقها زيد أنزل الله ما أخبر به نبيه من أمر زواجه بزينب حتى يكفي النبي صلى الله عليه وسلم حرج السعي والخطبة لما يعلمه سبحانه وتعالى من غرابة ذلك الزواج في نفوس القوم، وبهذا لا يكون لرغبة الرسول صلى الله عليه وسلم أي دور في إتمام هذا الزواج ليكون أبعد للتهمة وأبرأ لوجدان الرسول صلى الله عليه وسلم، فالله سبحانه وتعالى بتدبيره قد تولى الأمر كله، حتى عقد الزواج فالنبي صلى الله عليه وسلم أخفى علمه بما سيكون وأخفى تحرجه مما سيقول الناس.
وعاشت زينب في بيت رسول الله عزيزة كريمة برة تقية عابدة زاهدة صناعا (1) تعمل بيدها لتتصدق، ولهذا تحقق فيها قول الرسول صلى الله عليه وسلم لنسائه: " يتبعني أطولكن يدا " وكان طول اليد هو سخاؤها بالصدقة. قالت عائشة فكنا إذا اجتمعنا بعده نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعله حتى توفيت زينب، وكانت امرأة قصيرة ولم تكن - رحمها الله - أطولنا فعرفنا أنما أراد الصدقة وكانت صناع اليد فكانت تدبغ وتخرز وتصدق (2).
حدثوا أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أرسل إليها عطاءها وهو اثنا عشر ألف درهم فغطته بثوب ثم قالت لبرزة بنت رافع: " أدخلي يدك فاقبضي منه قبضة فاذهبي إلى آل فلان وآل فلان من أيتامها وذوي رحمها فقسمته فبقيت منه بقية فقالت لها برزة غفر الله لك، والله لقد كان لنا في هذا حظ، فقالت لها زينب، فلكم ما تحت الثوب، تقول برزة: فرفعنا الثوب فوجدنا خمسة وثمانين درهما ثم رفعت زينب بيدها داعية فقالت: " اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا " (3).