ومع إتمام الزواج كانت زينب تضيق به وترى لنفسها ولنسبها من الفضل والسمو وعلو المنزلة ما جعلها تترفع عليه، فكان يشكو ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يأمره بالصبر وحسن المعاشرة.
وقد زعم بعض القدامى والمحدثين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآها بعد ذلك فوقع حبها في قلبه وهي روايات لا تعدو أن تكون من دس القصاصين ونسج الإسرائيليين الذين ينسبون ما هو أشنع من ذلك لأنبيائهم، ومهما قيل في ناقليها من صدق وضبط كالطبري والزمخشري فإن القواعد المقررة التي تثبت العصمة للرسل تؤكد بعد هذه الأقاصيص عن الحقيقة، وما من شك أن عشق النبي لزوجة رجل آخر يتنافى مع العصمة التي تعني طهارة ظاهرهم وباطنهم من الإثم بل ومن شبه الإثم، ولو قيل عن واحد منا يتكرم في نفسه إنه عشق امرأة صديقه لعامة الناس لتجنبوه فكيف لو كان نبيا ورسولا، وما معنى حفظ الله له إذا تركه يقع في مثل هذا وكيف وقد أمره الله بعكس ذلك: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم) وليست هذه أول فرية في حق نبي تسردها الكتب قديما ويدافع عنها دون إرادة السوء كاتبون حديثا، وقد وضعها أعداء الرسل بقصد التطاول على مقام العصمة الواجب لهم.
ويقع بعض المخلصين في إيمانهم من المعاصرين في وهم تأكيد بشرية الرسول بإثبات أمثال هذه الأقاصيص، ونسوا أن الرسل مع أنهم بشر من البشر إلا أن لهم خصوصية ليست لسائر البشر، وهي العصمة التي تنافي كل ما يرذلون به ويعابون، فضلا عن منافاتها لما به يأثمون، وقصتهم هذه حول السيدة زينب تكاد تتفق مع ما زعموه وردده كثير من المفسرين حول نبي الله داود زاعمين أنه رأى زوجة أوريا فأعجبته، وكيف احتال ليتزوجها مع كثرة ما عنده من الزوجات، وكل موقف من أحداث هذه القصة المزعومة يخرق العصمة، ويهدم طهارة النبوة، وليس إثبات بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى مثل هذه الأقاويل (1) وليست زينب بالتي لم يرها النبي آلاف المرات