لذاته لأن ذلك لا يتصور وجوده فلا يعقل الأمر به بخلاف هذا ومنهم من يقول ما لا يطاق للعجز عنه لا يجوز تكليفه بخلاف ما لا يطاق للاشتغال بضده فإنه يجوز تكليفه وهؤلاء موافقون للسلف والأئمة في المعنى لكن كونهم جعلوا ما بتركه العبد لا يطاق لكونه تاركا له مشتغلا بضده بدعة في الشرع واللغة فإن مضمونة أن فعل ما لا يفعله العبد لا يطيقه وهم التزموا هذا لقولهم إن الطاقة التي هي الاستطاعة وهي القدرة لا تكون إلا مع الفعل فقالوا كل من لم يفعل فعلا فإنه لا يطيقه وهذا خلاف الكتاب والسنة وإجماع السلف وخلاف ما عليه عامة العقلاء كما تقدمت الإشارة اليه عند ذكر الاستطاعة وأما ما لا يكون إلا مقارنا للفعل فذلك ليس شرطا في التكليف مع أنه في الحقيقة إنما هناك إرادة الفعل وقد يحتجون بقوله تعالى * (ما كانوا يستطيعون السمع) * * (إنك لن تستطيع معي صبرا) * وليس في ذلك إرادة ما سموه استطاعة وهو ما لا يكون إلا مع الفعل فإن الله ذم هؤلاء على كونهم لا يستطيعون السمع ولو أراد بذلك المقارن لكان جميع الخلق لا يستطيعون السمع قبل السمع فلم يكن لتخيص هؤلاء بذلك معنى ولكن هؤلاء لبغضهم الحق وثقله عليهم إما حسدا لصاحبه وإما اتباعا للهوى لا يستطيعون السمع وموسى عليه السلام لا يستطيع الصبر لمخالفة ما يراه لظاهر الشرع وليس عنده منه علم وهذه لغة العرب وسائر الأمم فمن يبغض غيره يقال إنه لا يستطيع الإحسان إليه ومن يحبه يقال إنه لا يستطيع عقوبته لشدة محبته له لا لعجزه عن عقوبته فيقال ذلك للمبالغة كما تقول لأضربنه
(٥٠٤)