شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٤٨٩
فأوجب الحج على المستطيع فلو لم يستطع إلا من حج لم يكن الحج قد وجب إلا على من حج ولم يعاقب أحدا على ترك الحج وهذا خلاف المعلوم بالضرورة من دين الاسلام وكذلك قوله تعالى * (فاتقوا الله ما استطعتم) * فأوجب التقوى بحسب الاستطاعة فلو كان من لم يتق الله لم يستطع التقوى لم يكن قد أوجب التقوى إلا على من اتقى ولم يعاقب من لم يتق وهذا معلوم الفساد وكذا قوله تعالى * (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) * والمراد منه استطاعة الأسباب والآلات وكذا ما حكاه سبحانه من قول المنافقين * (لو استطعنا لخرجنا معكم) * وكذبهم في ذلك القول ولو كانوا أرادوا الاستطاعة التي هي حقيقة قدرة الفعل ما كانوا بنفيهم عن أنفسهم كاذبين وحيث كذبهم دل على أنهم أرادوا بذلك المرض أو فقد المال على ما بين تعالى بقوله * (ليس على الضعفاء ولا على المرضى) * إلى أن قال * (إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء) * وكذلك قوله تعالى * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم) * والمراد استطاعة الآلات والأسباب ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب إنما نفى استطاعة الفعل معها وأما ثبوت الاستطاعة التي هي حقيقة القدرة فقد ذكروا فيها قوله تعالى * (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) * والمراد نفي حقيقة القدرة لا نفي الأسباب والآلات لأنها كانت ثابتة
(٤٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 494 ... » »»