شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٧٧
وانه ليس للعالم صانعان متكافئان في الصفات والافعال وهذا التوحيد حق لا ريب فيه وهو الغاية عند كثير من أهل النظر والكلام وطائفة من الصوفية وهذا التوحيد لم يذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم بل القلوب مفطورة على الاقرار به أعظم من كونها مفطورة على الاقرار بغيره من الموجودات كما قالت الرسل فيما حكى الله عنهم * (قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض) * وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بانكار الصانع فرعون وقد كان مستيقنا به في الباطن كما قال له موسى * (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر) * وقال تعالى عنه وعن قومه * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) * ولهذا لما قال وما رب العالمين على وجه الانكار له تجاهل العارف قال له موسى * (رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون) * وقد زعم طائفة أن فرعون سأل موسى مستفهما عن الماهية وأن المسؤول عنه لما لم تكن له ماهية عجز موسى عن الجواب وهذا غلط وانما هذا استفهام انكر وجحد كما دل سائر آيات القرآن على أن فرعون كان جاحدا لله نافيا له لم يكن مثبتا له طالبا للعلم بماهيته فلهذا بين لهم موسى أنه معروف وأن آياته ودلائل ربوبيته أظهر وأشهر من أن يسأل عنه بما هو بل هو سبحانه أعرف واظهر وأبين من أن يجهل بل معرفته مستقرة في الفطر أعظم من معرفة كل معروف ولم يعرف عن أحد من الطوائف أنه قال إن العالم له صانعان متماثلان في الصفات والافعال فان الثنوية من المجوس والمانوية القائلين بالأصلين
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»