شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٩٩
على أن كونه سميعا بصيرا غير كونه عالما واتفق كلهم على نفي الصفة الزائدة على الذات قال خاتمة قال إمام الحرمين رحمه الله الصحيح المقطوع به عندنا وجوب وصف الباري تعالى بأحكام الإدراكات الأخر أعني الإدراك المتعلق بالطعوم والمتعلق بالروائح والمتعلق بالحرارة والبرودة واللين والخشونة إذ كل إدراك يعقبه ضد هو آفة فما دل على وجوب وصفه بحكم السمع والبصر دل على وجوب وصفه بأحكام الإدراكات ثم يتقدس الباري تعالى عن كونه شاما ذائقا لامسا فإن هذه الصفات تنبئ عن الاتصالات يتعالى الرب عنها مع أنها لا تنبئ عن حقائق الإدراكات فإنك تقول شممت تفاحة فلم أدرك ريحها وكذلك اللمس والذوق قال المبحث السادس في أنه متكلم تواتر القول بذلك عن الأنبياء وقد ثبت صدقهم بدلالة المعجزات من غير توقف على إخبار الله تعالى عن صدقهم بطريق التكلم ليلزم الدور وقد يستدل على ذلك بدليل عقلي على قياس ما مر في السمع والبصر وهو أن عدم التكلم ممن يصح اتصافه بالكلام أعني الحي العالم القادر نقص واتصاف بأضداد الكلام وهو على الله تعالى محال وإن نوقش في كونه نقصا سيما إذا كان مع قدرة على الكلام كما في السكوت فلا خفاء في أن المتكلم أكمل من غيره ويمتنع أن يكون المخلوق أكمل من الخالق والاعتراض والجواب ههنا كما مر في السمع والبصر وبالجملة لا خلاف لأرباب الملل والمذاهب في كون الباري تعالى متكلما وإنما الخلاف في معنى كلامه وفي قدمه وحدوثه فعند أهل الحق كلامه ليس من جنس الأصوات والحروف بل صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى منافية للسكوت والآفة كما في الخرس والطفولية هو بها آمر ناه مخبر وغير ذلك يدل عليها بالعبارة أو الكتابة أو الإشارة فإذا عبر عنها بالعربية فقرآن وباليونانية فإنجيل وبالعبرانية فتوراة وبالسريانية فزبور فالاختلاف في العبارات دون المسمى كما إذا ذكر الله تعالى بألسنة متعددة ولغات مختلفة وخالفنا في ذلك جميع الفرق وزعموا أنه لا معنى للكلام إلا المنتظم من الحروف المسموعة الدال على المعاني المقصودة وأن الكلام النفسي غير معقول ثم قالت الحنابلة والخشوية أن تلك الأصوات والحروف مع تواليها وترتب بعضها على البعض ويكون الحرف الثاني من كل كلمة مسبوقا بالحرف المتقدم عليه كانت ثابتة في الأزل قائمة بذات الباري تعالى وتقدس وأن المسموع من أصوات القراء والمرئي من أسطر الكتاب نفس كلام الله تعالى القديم وكفى شاهدا على جهلهم ما نقل عن بعضهم أن الجلدة والغلاف أزليان وعن بعضهم أن الجسم الذي كتب به الفرقان فانتظم حروفا ورقوما هو بعينه كلام الله تعالى وقد صار قديما بعدما كان حادثا ولما رأت الكرامية أن بعض الشر أهون من البعض وأن مخالفة الضرورة أشنع من مخالفة الدليل ذهبوا إلى أن المنتظم من الحروف المسموعة مع حدوثه قائم بذات الله تعالى وأنه قول الله تعالى لا كلامه وإنما كلامه قدرته على التكلم وهو قديم وقوله حادث لا محدث وفرقوا بينهما بأن كل ما له
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»