ابتداء إن كان قائما بالذات فهو حادث بالقدرة غير محدث وإن كان مباينا للذات فهو محدث بقوله كن لا بالقدرة والمعتزلة لما قطعوا بأنه المنتظم من الحروف وأنه حادث والحادث لا يقوم بذات الله تعالى ذهبوا إلى أن معنى كونه متكلما أنه خلق الكلام في بعض الأجسام واحترز بعضهم من إطلاق لفظ المخلوق عليه لما فيه من إيهام الخلق والافتراء وجوزه الجمهور ثم المختار عندهم وهو مذهب ابن هاشم ومن تبعه من المتأخرين أنه من جنس الأصوات والحروف ولا يحتمل البقاء حتى إن ما خلق مرقوما في اللوح المحفوظ أو كتب في المصحف لا يكون قرآنا وإنما القرآن ما قرأه القارئ وخلقه الباري من الأصوات المنقطعة والحروف المنتظمة وذهب الجبائي إلى أنه من جنس غير الحروف يسمع عند سماع الأصوات ويوجد بنظم الحروف وبكتابتها ويبقى عند المكتوب والحفظ ويقوم باللوح المحفوظ وبكل مصحف وكل لسان ومع هذا فهو واحد لا يزداد بازدياد المصاحف ولا ينتقص بنقصانها ولا يبطل ببطلانها والحاصل أنه انتظم من المقدمات القطعية والمشهورة قياسان ينتج أحدهما قدم كلام الله تعالى وهو أنه من صفات الله وهي قديمة والآخر حدوثه وهو أنه من جنس الأصوات وهي حادثة فاضطر القوم إلى القدح في أحد القياسين ومنع بعض المقدمات ضرورة امتناع حقية النقيضين فمنعت المعتزلة كونه من صفات الله والكرامية كون كل صفة قديمة والأشاعرة كونه من جنس الأصوات والحروف والخشوية كون المنتظم من الحروف حادثا ولا عبرة بكلام الكرامية والخشوية فبقي النزاع بيننا وبين المعتزلة وهو في التحقيق عائد إلى إثبات كلام النفس ونفيه وأن القرآن هو أو هذا المؤلف من الحروف الذي هو كلام حسي وإلا فلا نزاع لنا في حدوث الكلام الحسي ولا لهم في قدم النفسي لو ثبت وعلى البحث وعلى المناظرة في ثبوت الكلام النفسي وكونه هو القرآن ينبغي أن يحمل ما نقل من مناظرة أبي حنيفة وأبي يوسف ستة أشهر ثم استقر رأيهما على أن من قال بخلق القرآن فهو كافر (قال لنا) استدل على قدم كلام الله وكونه نفسيا لاحسيا بوجهين الأول أن المتكلم من قام به الكلام لا من أوجد الكلام ولو في محل آخر للقطع بأن موجد الحركة في جسم آخر لا يسمى متحركا وأن الله لا يسمى بخلق الأصوات مصوتا وإنا إذا سمعنا قائلا يقول إنا قائم يسميه متكلما وإن لم نعلم أنه الموجد لهذا الكلام بل وإن علمنا أن موجده هو الله كما هو رأي أهل الحق وحينئذ فالكلام القائم بذات الباري لا يجوز أن يكون هو الحسي أعني المنتظم من الحروف المسموعة لأنه حادث ضرورة أن له ابتداء وانتهاء وأن الحرف الثاني من كل كلمة مسبوق بالأول ومشروط بانقضائه وأنه يمتنع اجتماع أجزائه في الوجود وبقاء شيء منها بعد الحصول على ما سبق نبذ من ذلك في بحث الكم والحادث يمتنع قيامه بذات الباري تعالى لما سبق فتعين أن يكون هو المعنى إذ لا ثالث يطلق عليه اسم الكلام وأن يكون قديما لما عرفت فإن اعترض من قبل المعتزلة بأنه لو كان المتكلم من قام به الكلام
(١٠٠)