شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٨٨
أو يلهمها هذا العلم حين ذلك الفعل ثم المحققون من المتكلمين على أن طريقة القدرة والاختيار أوكد وأوثق من طريقة الإتقان والأحكام لأن عليها سؤالا صعبا وهو أنه لم لا يجوز أن يوجد الباري موجودا تستند إليه تلك الأفعال المتقنة المحكمة ويكون له العلم والقدرة ودفعه بأن إيجاد مثل ذلك الموجود وإيجاد العلم والقدرة يكون أيضا فعلا محكما بل أحكم فيكون فاعله عالما لا يتم إلا ببيان أنه قادر مختار إذ الإيجاب بالذات من غير قصد لا يدل على العلم فيرجع طريق الإتقان إلى طريق القدرة مع أنه كاف في إثبات المطلوب وقد يتمسك في كونه عالما بالأدلة السمعية من الكتاب والسنة والإجماع ويرد عليه أن التصديق بإرسال الرسل وإنزال الكتب يتوقف على التصديق بالعلم والقدرة فيدور وربما يجاب بمنع التوقف فإنه إذا ثبت صدق الرسل بالمعجزات حصل العلم بكل ما أخبروا به وإن لم يخطر بالبال كون المرسل عالما والظاهر أن هذا مكابرة نعم يتجه ذلك في صفة الكلام على ما صرح به الإمام قال وعند الفلاسفة ورد من استدلالهم على علم الباري وجهان الأول أنه مجرد أي ليس بجسم ولا جسماني لما مر وكل مجرد عاقل أي عالم بالكليات لما وقعت الإشارة إليه في مباحث المجردات من أن التجرد يستلزم التعقل وبيانه أن التجرد يستلزم إمكان المعقولية لأن المجرد بريء عن الشوائب المادية واللواحق الغريبة وكل ما هو كذلك لا يحتاج إلى عمل يعمل به حتى يصير معقولا فإن لم يعقل كان ذلك من جهة القوة العاقلة لا من جهته وإمكان المعقولية يستلزم إمكان المصاحبة بينه وبين العاقل إياه وهذا الإمكان لا يتوقف على حصول المجرد في جوهر العاقل لأن حصوله فيه نفس المصاحبة فيتوقف إمكان المصاحبة على حصول المجرد فيه توقف إمكان الشيء على وجوده المتأخر عنه وهو محال فإذن المجرد سواء وجد في العقل أو في الخارج يلزمه إمكان مصاحبة المعقول ولا معنى للتعقل إلا المصاحبة فإذن كل مجرد يصح أن يعقل غيره وكل ما يصح للمجرد وجب أن يكون بالفعل لبراءته عن أن يحدث فيه ما هو بالقوة لأن ذلك شأن الماديات ولا خفاء في ضعف بعض هذه المقدمات وفي أنه لو صح أن مصاحبة المجرد للمعقولات في الوجود تعقل لها لكفى ذلك في إثبات المطلوب من غير احتياج إلى سائر المقدمات الثاني أنه عالم بذاته لأنه لا معنى لتعقل المجرد ذاته سوى حضور ذاته عند ذاته بمعنى عدم غيبته عنه لاستحالة حصول المثال لكونه اجتماعا للمثلين وهذا القدر وإن كان مبنيا على أصولهم كاف في إثبات كونه عالما في الجملة إلا أنهم حاولوا إثبات علمه بما سواه فقالوا هو عالم بذاته الذي هو مبدأ الممكنات لما ذكرنا والعالم بالمبدأ أعني العلة عالم بذي المبدأ أعني المعلول لأن العلم بالشيء يستلزم العلم بلوازمه والعلية وهي لا تعقل بدون المعلول بل المعلول نفسه وما يتبعه من المعلولات كلها من لوازم الذات واعترض بأن لازم الذات وإن كان بلا وسط في الثبوت لا يجب أن يكون لازما بينا يلزم من تعقل
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»