انقضاء اللفظ ليس تلهفا ولأن اللفظ يكون ترجمة عما في الضمير وبالضرورة يعلم أنها ليست ترجمة عن إرادة جعلها على صفة بل عن الاقتضاء والإيجاب ونحو ذلك ثم شاع فيما بين أهل اللسان إطلاق اسم الكلام والقول على المعنى القائم بالنفس يقولون في نفسي كلام وزورت في نفسي مقالة وقال الأخطل (إن الكلام لفي الفؤاد وإنما * جعل اللسان على الفؤاد دليلا) وفي التنزيل ويقولون في أنفسهم وإذا ثبت أن الباري تعالى متكلم وأنه يمتنع قيام الكلام الحسي بذاته تعين أن يكون هو النفسي فيكون قديما لما مر قال تمسكوا بوجوه الأول أنه علم بالضرورة من دين النبي صلى الله عليه وسلم حتى للعوام والصبيان أن القرآن هو هذا الكلام المؤلف المنتظم من الحروف المسموعة المفتتح بالتحميد المختتم بالاستعاذة وعليه انعقد إجماع السلف وأكثر الخلف الثاني أن ما اشتهر وثبت بالنص والإجماع من خواص القرآن إنما يصدق على هذا المؤلف الحادث لا المعنى القديم وجوابهما أنه لا نزاع في إطلاق اسم القرآن وكلام الله تعالى بطريق الاشتراك أو المجاز المشهور شهرة الحقائق على هذا المؤلف الحادث وهو المتعارف عند العامة والقراء والأصوليين والفقهاء وإليه يرجع الخواص التي هي من صفات الحروف وسماة الحدوث قال وذلك إشارة إلى ما اشتهر من الخواص فالقرآن ذكر لقوله تعالى * (وهذا ذكر مبارك) * وقوله * (وإنه لذكر لك ولقومك) * والذكر محدث لقوله تعالى * (وما يأتيهم من ذكر من الرحمن) * محدث ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث وعربي لقوله تعالى * (إنا جعلناه قرآنا عربيا) * والعربي هو اللفظ لاشتراك اللغات في المعنى ومنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة النص والإجماع ولا خفاء في امتناع نزول المعنى القديم القائم بذات الله تعالى بخلاف اللفظ فإنه وإن كان عرضا لا يزول عن محله لكن قد ينزل بنزول الجسم الحامل له وقد روى أن الله تعالى أنزل القرآن دفعة إلى سماء الدنيا فحفظته الحفظة أو كتبته الكتبة ثم نزله منها بلسان جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فشيئا بحسب المصالح فإن قيل المكتوب في المصحف هو الصور والأشكال لا اللفظ ولا المعنى قلنا بل اللفظ لأن الكتابة تصوير اللفظ بحروف هجائه نعم المثبت في المصحف هو الصور والأشكال فإن قيل القديم دائم فيكون مقارنا للتحدي ضرورة فلا يكون ذلك من خواص الحادث قلنا معناه أن يدعو العرب إلى المعارضة والإتيان بالمثل وذلك لا يتصور في الصفة القديمة فإن قيل النسخ كما يكون للفظ يكون للمعنى قلنا نعم لكن يخص الحادث لأن القديم لا يرتفع ولا ينتهي فإن قبل وقوع كلمة كن عقيب إرادة تكوين الأشياء على ما تعطيه كلمة الجزاء وإن دل على حدوثها لكن عموم لفظ شيء من حيث وقوعه في سياق النفي معنى أي ليس قولنا لشيء مما نقصد
(١٠٢)