ولا في قلب ولا في مصحف لأن المراد به المعلوم بالقراءة المفهوم من الخطوط ومن الأصوات المسموعة وكذا المنزل إذ معنى الإنزال أن جبرائيل عليه السلام أدرك كلام الله تعالى وهو في مقامه ثم نزل إلى الأرض وأفهم النبي صلى الله عليه وسلم ما فهمه عند سدرة المنتهى من غير نقل لذات الكلام فإن قيل إذا أريد بكلام الله تعالى المنتظم من الحروف المسموعة من غير اعتبار تعين المحل فكل أحد منا يسمع كلام الله تعالى وكذا إذا أريد به المعنى الأزلي وأريد بسماعه فهمه من الأصوات المسموعة فما وجه اختصاص موسى عليه السلام بأنه كليم الله تعالى قلنا فيه أوجه أحدها وهو اختيار الإمام حجة الإسلام أنه سمع كلامه الأزلي بلا صوت ولا حرف كما ترى في الآخرة ذاته بلا كم وكيف وهذا على مذهب من يجوز تعلق الرؤية والسماع بكل موجود حتى الذات والصفات لكن سماع غير الصوت والحرف لا يكون إلا بطريق خرق العادة وثانيها إنه سمعه بصوت من جميع الجهات على خلاف ما هو العادة وثالثها أنه سمع من جهة لكن بصوت غير مكتسب للعباد على ما هو شان سماعنا وحاصلة أنه أكرم موسى عليه السلام ما فهمه كلامه بصوت تولى بخلقه من غير كسب لأحد من خلقه وإلى هذا ذهب الشيخ أبو منصور الماتريدي والأستاذ أبو إسحق الإسفرائني قال الأستاذ اتفقوا على أنه لا يمكن سماع غير الصوت إلا أن منهم من بت القول بذلك ومنهم من قال لما كان المعنى القائم بالنفس معلوما بواسطة سماع الصوت كان مسموعا فالاختلاف لفظي لا معنوي قال الثالث الوجه الثالث أن كلامه لو كان أزليا لزم الكذب في إخباره لأن الإخبار بطريق المضي كثير في كلام الله تعالى مثل أنا أرسلنا وقال موسى وعصى فرعون إلى غير ذلك وصدقه يقتضي سبق وقوع النسبة ولا يتصور السبق على الأزل فتعين الكذب وهو محال أما أولا فبإجماع العلماء وإما ثانيا فبما تواتر من أخبار الأنبياء عليهم السلام الثابت صدقهم بدلالة المعجزات من غير توقف على ثبوت كلام الله تعالى فضلا عن صدقه وأما ثالثا فلأن الكذب نقص باتفاق العقلاء وهو على الله محال لما فيه من إمارة العجز أو الجهل أو العبث وأما رابعا فلأنه لو اتصف في الأزل بالكذب في خير ما لامتنع صدقه فيه لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه لكنا نعلم بالضرورة أن من علم النسبة لا يمتنع عليه أن يخبر عنها على ما هي عليه وطريق اطراد هذا الوجه في كلامه المنتظم من الحروف المسموعة أنه عبارة عن كلامه الأزلي ومرجع الصدق والكذب إلى المعنى وأما وجه استحالة النقص ففي كلام البعض أنه لا يتم إلا على رأي المعتزلة القائلين بالقبح العقلي قال إمام الحرمين لا يمكن التمسك في تنزيه الرب تعالى عن الكذب بكونه نقصا لأن الكذب عندنا لا يقبح لعينه وقال صاحب التلخيص الحكم بأن الكذب نقص إن كان عقليا كان قولا بحسن الأشياء وقبحها عقلا وإن كان سمعيا لزم الدور وهذا مبني على أن مرجع الأداة السمعية إلى كلام الله تعالى وصدقه وأن تصديقه
(١٠٤)