شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٠١
لما صح إطلاقه حقيقة على المتكلم بالكلام الحسي لأنه لا بقاء له ولا اجتماع لأجزائه حتى يقوم بشيء ولو سلم فإنما يقوم بلسانه لا بذاته وأيضا لما صح قولهم الأمير يتكلم بلسان الوزير والجني يتكلم بلسان المصروع ومن قبل الحنابلة أن المنتظم من الحروف قد لا يكون مترتب الأجزاء بل دفعيا كالقائم بنفس الحافظ وكالحاصل على الورقة من طائع فيه نقش الكلام وإنما لزوم الترتب في التلفظ والقراءة لعدم مساعدة الآلة فالقرآن الذي هو اسم للنظم والمعنى جميعا لا يمتنع أن يكون قديما قائما بذات الباري تعالى أجيب بأن كون المتكلم من قام به الكلام ثابت عرفا ولغة وكون المنتظم من الحروف المسموعة مترتب الأجزاء ممتنع البقاء ثابت ضرورة وما ذكرتم سندا لمنعهما تمويه أما الأول فلأن المعتبر في اسم الفاعل موجود المعنى لا بقاؤه سيما في الأعراض السيالة كالمتحرك والمتكلم ولو سلم فيكفي التلبس ببعض أجزائه ولا يشترط القيام بكل جزء من أجزاء المحل كالسامع والباصر والذالق وغير ذلك ومعنى التكلم بلسان الغير إلقاء الكلام إليه مجازا وأما الثاني فلأن الكلام في المنتظم من الحروف المسموعة لا في الصورة المرسومة والخيال أو المخزونة في الحافظة أو المنقوشة بأشكال الكتابة على أن قيام الصوت والحروف بذات الله تعالى وتقدس ليس بمقول وإن كان غير مترتب الأجزاء كحرف واحد مثلا قال وإن من يأمر وينهى الوجه الثاني أن من يورد صيغة أمرا ونهي أو نداء أو إخبارا واستخبارا وغير ذلك يجد في نفسه ويدور في خلده ولا يختلف باختلاف العبارات بحسب الأوضاع والاصطلاحات ويقصد المتكلم حصولها في نفس السامع ليجري على موجبها هو الذي نسميه كلام النفس وحديثها وربما يعترف به أبو هاشم ويسميه الخواطر ومغايرته للعلم والإرادة سيما في الإخبار والإنشاء الغير الطلبي في غاية الظهور نعم قد يتوهم أن الطلب النفسي هو الإرادة وأن قولنا أريد منك هذا الفعل ولا أطلبه في نفسي أو أطلبه ولا أريده تناقض وسيأتي في فصل الأفعال واستدل القوم على مغايرته للعلم بأن الرجل قد يخبر عما لا يعلمه بل يعلم خلافه وللإرادة بأن السيد قد يأمر العبد بالفعل ويطلبه منه ولا يريده وذلك عند الاعتذار من ضربه بأنه يعصيه (قال صاحب المواقف لو قالت المعتزلة أنه إرادة فعل يصير سببا لاعتقاد المخاطب علم المتكلم بما أخبر عنه أو إرادته لما أمر به لم يكن بعيد الكنى لم أجده في كلامهم وأنا قد وجدت في كلام الإمام الزاهدي من المعتزلة ما يشعر بذلك حيث قال لا نسلم وجود حقيقة الإخبار والطلب في الصورتين المذكورتين بل إنما هو مجرد إظهار إماراتها وقريب من ذلك ما قال إمام الحرمين في الإرشاد فإن قالوا الذي يجده في نفسه هو إرادة جعل اللفظة الصادرة عنه أمرا على جهة ندب أو إيجاب فهذا باطل لأن اللفظ يتصرم مع أن الطلب بحاله والماضي لا يراد بل يتلهف عليه وبالضرورة يعلم أن ما نجده بعد
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»