شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٩٨
عليه النقض بمثل الماشي والحسن الوجه لأن استحالته في حق الباري تعالى مما يعلم قطعا بخلاف السمع والبصر والغرض من تكثير وجوه الاستدلال في أمثل هذه المقامات زيادة التوثيق والتحقيق وأن الأذهان متفاوتة في القبول والإذعان ربما يحصل للبعض منها الاطمئنان ببعض الوجوه دون البعض أو باجتماع الكل أو عدة منها مع ما في كل واحد من محال المناقشة وأما الاعتراض بأنه لا سبيل إلى استحالة النقص والآفة على الباري تعالى سوى الإجماع المستند حجيته إلى الأدلة السمعية ولا خفاء في ثبوت الإجماع وقيام الأدلة السمعية القطعية على كونه تعالى حيا سميعا بصيرا فأي حاجة إلى سائر المقدمات التي ربما يناقش فيها فجوابه المنع إذ ربما يجزم بذلك من لا يلاحظ الإجماع عليه أو لا يراه حجة أصلا أو يعتقد أنه لا يصح في مثل هذا المطلوب التمسك به وبسائر الأدلة السمعية لكون إنزال الكتب وإرسال الرسل فرع كون الباري حيا سميعا بصيرا وبالجملة لما ثبت كونه حيا سميعا بصيرا ثبت على قاعدة أصحابنا له صفات قديمة هي الحياة والسمع والبصر على ما بينا في العلم والقدرة فإن قيل لو كان السمع والبصر قديمين لزم كون المسموع والمبصر كذلك لامتناع السمع بدون المسموع والإبصار بدون المبصر قلنا ممنوع لجواز أن يكون كل منهما صفة قديمة له تعلقات حادثة كالعلم والقدرة ويمكن أن يجعل هذا شبهة من قبل المخالف بأنه لو كان سميعا بصيرا فإما أن يكون السمع والبصر قديمين فيلزم قدم المسموع والمبصر أو حادثين فيلزم كونه محلا للحوادث وشبهة أخرى وهي أنه لو كان حيا سميعا بصيرا لكان جسما واللازم باطل وجه اللزوم أن الحياة اعتدال نوعي للمزاج الحيواني على ما سبق أو صفة تتبعها مقتضية للحس والحركة الإرادية وقد عرفت أن المزاج من الكيفيات الجسمية وأن السمع والبصر وسائر الإحساسات تأثر للحواس عن المحسوسات أو حالة إدراكية تتبعه وليست الحواس الأقوى جسمانية والجواب أنا لا نسلم كون الحياة والسمع والبصر عبارة عما ذكرتم أو مشروطة به في الشاهد فضلا عن الغائب غاية الأمر أنها في الشاهد تقارن ما ذكرتم ولا حجة على الاشتراك وقد تكلمنا على ذلك فيما سبق (قال وعلى ما نقل) المشهور من مذهب الأشاعرة أن كلا من السمع والبصر صفة مغايرة للعلم إلا أن ذلك ليس بلازم على قاعدة الشيخ أبي الحسن في الإحساس من أنه علم بالمحسوس على ما سبق ذكره لجواز أن يكون مرجعهما إلى صفة العلم ويكون السمع علما بالمسموعات والبصر علما بالمبصرات فإن قيل هذا إنما يتم لو كان الكل نوعا واحدا من العلم لا أنواعا مختلفة على ما مر في بحث العلم قلنا يجوز أن يكون له صفة واحدة هي العلم لها تعلقات مختلفة هي الأنواع المختلفة بأن تتعلق بالمبصرات مثلا تارة بحيث تحصل حالة إدراكية تناسب تعقلنا إياه وتارة بحيث تحصل حالة إدراكية تناسب إبصارنا إياه قال وعند الفلاسفة على هذا لا يلزم ثبوت صفة زائدة فضلا عن تعددها وإلى هذا ذهب الكعبي وجماعة من معتزلة بغداد والأكثرون
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»