شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٠٣
إيجاده وإحداثه كما في قوله عليه السلام وإنما لكل امرئ ما نوى يقتضي قدمها إذ لو كانت حادثة لكانت واقعة بكلمة كن أخرى سابقة وبتسلسل وإن جعلتم هذا الكلام لا على حقيقته بل مجازا عن سرعة الإيجاد فلا دلالة فيه على حدوث كن قلنا حقيقته إن ليس قولنا لشيء من الأشياء عند تكوينه إلا هذا القول وهو لا يقتضي ثبوت هذا القول لكل شيء ألا ترى أنك إذا قلت ما قولي لأحد من الناس عند إرشاده إلا أن أقول له تعلم لم يدل على أنك تقول تعلم لكل أحد بل على أنك لو قلت في حقه شيئا لم يكن إلا هذا القول قال لا لمجرد أنه دال المشهور في كلام الأصحاب أن ليس أطلاق كلام الله تعالى على هذا المنتظم من الحروف المسموعة إلا بمعنى أنه دال على كلامه القديم حتى لو كان مخترع هذه الألفاظ غير الله تعالى لكان هذا الإطلاق بحاله لكن المرضي عندنا أن له اختصاصا آخر بالله وهو أنه أخبر عنه بأنه أوجد أولا الأشكال في اللوح المحفوظ لقوله تعالى * (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) * أو الأصوات في لسان الملك لقوله تعالى * (إنه لقول رسول كريم) * الآية أو لسان النبي لقوله تعالى * (نزل به الروح الأمين على قلبك) * والمنزل على القلب هو المعنى دون اللفظ ثم اختلفوا فقيل هو اسم لهذا المؤلف المخصوص القائم بأول لسان اخترعه الله تعالى فيه حتى إن ما يقرأه كل أحد بكسبه يكون مثله لا عينه والأصح أنه اسم له لا من حيث تعين المحل فيكون واحدا بالنوع ويكون ما يقرأه القاري نفسه لا مثله وهكذا الحكم في كل شعر أو كتاب ينسب إلى مؤلفه وعلى التقديرين فقد يجعل اسما للمجموع بحيث لا يصدق على البعض وقد يجعل اسما لمعنى كلي صادق على المجموع وعلى كل بعض من أبعاضه ولهذا المقام زيادة توضيح في شرح التنقيح وبالجملة ما يقال أن المكتوب في كل مصحف والمقروء بكل لسان كلام الله تعالى فباعتبار الوحدة النوعية وما يقال أنه حكاية عن كلام الله ومماثل له وإنما الكلام هو المخترع في لسان الملك فباعتبار الوحدة الشخصية وما يقال أن كلام الله تعالى ليس قائما بلسان أو قلب ولا حالا في مصحف أو لوح فيراد به الكلام الحقيقي الذي هو الصفة الأزلية ومنعوا من القول بحلول كلامه في لسان أو قلب أو مصحف وأن كان المراد هو اللفظي رعاية للتأدب واحترازا عن ذهاب الوهم إلى الحقيقي الأزلي قال وإجراء هذا جواب آخر لأصحابنا تقريره أن المراد بالمذكور العربي المنزل المقروء المسموع المكتوب إلى آخر الخواص هو المعنى القديم إلا أنه وصف بما هو من صفات الأصوات والحروف الدالة عليه مجازا ووصفا للمدلول بصفة الدال عليه كما يقال سمعت هذا المعنى من فلان وقرأته في بعض الكتب وكتبته بيدي وهذا ما قال أصحابنا أن القراءة حادثة أعني أصوات القاري التي هي من اكتسابه ويؤمر بها تارة إيجابا أو ندبا وينهى عنها حينا وكذا الكتابة أعني حركات الكاتب والأحرف المرسومة وإما المقروء بالقراءة المكتوب في المصاحف المحفوظ في الصدور المسموع بالآذان فقديم ليس حالا في لسان
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»