شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٩٤
ونقص وبأن كل أحد من المطيع والعاصي يلجأ إليه في كشف الملمات ودفع البليات ولولا أنه مما لا تشهد به فطرة جميع العقلاء لما كان كذلك وبأن الجزئيات مستندة إلى الله تعالى ابتداء أو بواسطة وقد اتفق الحكماء على أنه عالم بذاته وأن العلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول قال المبحث الرابع اتفق المتكلمون والحكماء وجميع الفرق على إطلاق القول بأنه مريد وشاع ذلك في كلام الله تعالى وكلام الأنبياء عليهم السلام ودل عليه ما ثبت من كونه تعالى فاعلا بالاختيار لأن معناه القصد والإرادة مع ملاحظة ما للطرف الآخر فكان المختار ينظر إلى الطرفين ويميل إلى أحدهما والمريد ينظر إلى الطرف الذي يريده لكن أكثر الخلاف في معنى إرادته فعندنا صفة قديمة زائدة على الذات قائمة به على ما هو شأن سائر الصفات الحقيقية وعند الجبائية صفة زائدة قائمة لا بمحل وعند الكرامية صفة حادثة قائمة بالذات وعند ضرار نفس الذات وعند النجار صفة سلبية هي كون الفاعل ليس بمكره ولا ساه وعند الفلاسفة العلم بالنظام الأكمل وعند الكعبي إرادته لفعله تعالى العلم به ولفعل غيره الأمر به وعند المحققين من المعتزلة هي العلم بما في الفعل من المصلحة تمسك أصحابنا بأن تخصيص بعض الأضداد بالوقوع دون البعض وفي بعض الأوقات دون البعض مع استواء نسبة الذات إلى الكل لا بد أن يكون لصفة شأنها التخصيص لامتناع التخصيص بلا مخصص وامتناع احتياج الواجب في فاعليته إلى أمر منفصل وتلك الصفة هي المسماة بالإرادة وهو معنى واضح عند العقل مغاير للعلم والقدرة وسائر الصفات شأنه التخصيص والترجيح لأحد طرفي المقدور من الفعل والترك على الآخر وينبه على مغايرتها للقدرة أن نسبة القدرة إلى الطرفين على السواء بخلافها وللعلم أن مطلق العلم نسبته إلى الكل على السواء والعلم بما فيه من المصلحة أو بأنه سيوجد في وقت كذا سابق على الإرادة والعلم بوقوعه تابع للوقوع المتأخر عنها وفيه نظر إذ قد لا يسلم الخصم سبق العلم بأنه يوجده في وقت كذا على إرادته ذلك ولا تأخر علمه بوقوعه حالا عن إرادته الوقوع حالا وما يقال أن العلم تابع للوقوع فمعناه أنه يعلم الشيء كما يقع وأن المعلوم هو الأصل في التطابق لأنه مثال وصورة له لا بمعنى تأخره عنه في الخارج البتة والحق أن مغايرة الحالة التي تسميها بالإرادة للعلم والقدرة وسائر الصفات ضرورية ثم قد تبين قدمها وزيادتها على الذات بمثل ما مر في العلم والقدرة وقد يورد ههنا إشكالات الأول أن نسبة الإرادة أيضا إلى الفعل والترك وإلى جميع الأوقات على السواء إذ لو لم يجز تعلقها بالطرف الآخر وفي الوقت الآخر لزم نفي القدرة والاختيار وإذا كانت على السواء فتعلقها بالفعل دون الترك وفي هذا الوقت دون غيره يفتقر إلى مرجح ومخصص لامتناع وقوع الممكن بلا مرجح كما ذكرتم ويلزم تسلسل الإرادات والجواب أنها إنما تتعلق بالمراد لذاتها من غير افتقار إلى مرجح آخر لأنها صفة
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»