أن يقع كل موجود منها في واحد من تلك الأوقات قالوا وهذا هو المقتضي لإفاضة ذلك النظام على ذلك الترتيب والتفصيل إذ لا يجوز أن يكون صدوره عن الواجب وعن العقول المجردة بقصد وإرادة ولا بحسب طبيعة ولا على سبيل الاتفاق والجزاف لأن العلل العالية لا تفعل لغرض في الأمور السافلة فقد صرحوا في إثبات هذه العناية بنفي ما نسميه الإرادة وقد عرفت مرادهم بإحاطة علم الله تعالى بالكل وأنها ليست إلا وجود الكل ومنها قول النجار من المعتزلة أن إرادة الله تعالى كونه غير مكره ولا ساه وقول الكعبي وكثير من معتزلة بغداد أن إرادته لفعله هو علمه به أو كونه غير مكره ولا ساه ولفعل غيره هو الأمر به حتى أن مالا يكون مأمورا به لا يكون مرادا له ولا خفاء في أن هذا موافقة للفلاسفة في نفي كون الواجب تعالى مريدا أي فاعلا على سبيل القصد والاختيار ومخالفة للنصوص الدالة على أن إرادته تتعلق بشيء دون شيء وفي وقت دون وقت وأنه قد أمر العباد بما لم يشأه منهم قال الله تعالى * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * * (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) * * (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا) * إلى غير ذلك مما لا يحصى ولا فرق بين المشيئة والإرادة إلا عند الكرامية حيث جعلوا المشيئة صفة واحدة أزلية تتناول ما يشاء الله بها من حيث تحدث والإرادة حادثة متعددة بعدد المرادات وأما الاعتراض على قول النجار بأنه يوجب كون الجماد مريدا فليس بشيء لأنه إنما يفسر بذلك إرادة الله تعالى وذهب كثير من المعتزلة إلى أن الإرادة ليست سوى الداعي إلى الفعل وهو اختيار ركن الدين الخوارزمي في الشاهد والغائب جميعا وأبي الحسين البصري في الغائب خاصة قالوا وهو العلم أو الاعتقاد أو الظن باشتمال الفعل أو الترك على المصلحة ولما امتنع في حق الباري تعالى الظن والاعتقاد كان الداعي في حقه تعالى هو العلم بالمصلحة واحتجوا بأن الإرادة فعل المريد قطعا واتفاقا يقال فلان يريد هذا ويكره ذاك ولهذا يمدح بها ويذم ويثاب عليها ويعاقب قال الله تعالى يريد ثواب الدنيا * (والله يريد الآخرة) * وقال تعالى * (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) * فهذا الفعل لو كان غير الداعي لكان للفاعل شعور به ضرورة أن الفاعل هو المؤثر في الشيء بالقصد والاختيار وذلك لا يكون إلا بعد الشعور به لكن اللازم باطل لأنا لا نشعر عند الفعل أو الترك بمرجح سوى الداعي الخالص أو المترجح على الصارف والجواب أنه إن أريد بكونها فعلا للمريد مجرد استنادها إليه كما في قولنا فلان يقدر على كذا ويعجز عن كذا فهذا لا يقتضي كونه أثرا صادرا عنه بالقصد والاختيار ليلزم الشعور به وإن أريد أنه أثر له بطريق القصد والاختيار فممنوع ولا يبعد دعوى الاتفاق على نقيض ذلك كيف ولو كانت كذلك لاحتاجت إلى إرادة أخرى وتسلسلت ثم ترتب الثواب والعقاب على الإرادة إنما هو باعتبار ما يلزمها من الأفعال أو تحصيل الدواعي أو نفي الصوارف
(٩٦)