ضرورة العقل بحيث متى شاء استحضر الضروريات واستنتج منها النظريات فلم نجده في كلام القوم قال وأما العملي يعني أنها قوة بها يتمكن الإنسان من استنباط الصناعات والتصرفات في موضوعاتها التي هي بمنزلة المواد كالخشب للنجار وتمييز مصالحه التي يجب الإتيان بها من المفاسد التي يجب الاجتناب عنها لينتظم بذلك أمر معاشه ومعاده وبالجملة هي مبدأ حركة بدن الإنسان إلى الأفاعيل الجزئية الخاصة بالرؤية على مقتضى آراء يخصها صلاحية ولها نسبة إلى القوة النزوعية ومنها يتولد الضحك والخجل والبكاء ونحوها ونسبة إلى الحواس الباطنة هي استعمالها في استخراج أمور مصلحة وصناعات وغيرها ونسبة إلى القوة النظرية وهي أن أفاعيله أعني أعماله الاختيارية ينبعث عن آراء جزئية تستند إلى آراء كلية تستنبط من مقدمات أولية أو تجريبية أو ذائعة أو ظنية تحكم بها لقوة النظرية مثلا يستنبط من قولنا بذل الدرهم جميل والفعل الجميل ينبغي أن يصدر عنا أن بذل الدرهم ينبغي أن يصدر عنا ثم نحكم بأن هذا الدرهم ينبغي أن أبذله لهذا المستحق فينبعث من ذلك شوق وإرادة إلى بذله فتقدم القوة المحركة على دفعه إلى المستحق قال ويتفرع على النظري يعني أن كمال القوة النظرية معرفة أعيان الموجودات وأحوالها وأحكامها كما هي أي على الوجه الذي هي عليه وفي نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية وتسمى حكمة نظرية وكمال القوة العملية القيام بالأمور على ما ينبغي أي على الوجه الذي يرتضيه العقل الصحيح بقدر الطاقة البشرية وتسمى حكمة عملية وفسروا الحكمة على ما يشمل القسمين بأنها خروج النفس من القوة إلى الفعل في كمالها الممكن علما وعملا إلا أنه لما كثر الخلاف وفشا الباطل والضلال في شأن الكمال وفي كون الأشياء كما هي والأمور على ما ينبغي لزم الاقتداء في ذلك بمن ثبت بالمعجزات الباهرة أنهم على هدى من الله تعالى وكانت الحكمة الحقيقية هي الشريعة لكن لا بمعنى مجرد الأحكام العملية بل بمعنى معرفة النفس ما لها وما عليها والعمل بها على ما ذهب إليه أهل التحقيق من أن الحكمة المشار إليها في قوله تعالى * (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) * هو الفقه وأنه اسم للعلم والعمل جميعا وقد قسم الحكمة المفسرة بمعرفة الأشياء كما هي إلى النظرية والعملية لأنها إن كانت علما بالأمور المتعلقة لقدرتنا واختيارنا فعملية وغايتها العمل وتحصيل الخير وإلا فنظرية وغايتها إدراك الحق وكل منهما ينقسم بالقسمة الأولية إلى ثلاثة أقسام فالنظرية إلى الإلهي والرياضي والطبيعي والعملية إلى علم الأخلاق وعلم تدبير المنزل وعلم سياسة المدينة لأن النظرية إن كانت علما بأحوال الموجودات من حيث يتعلق بالمادة تصورا وقواما فهي العلم الطبيعي وإن كانت من حيث يتعلق بها قواما لا تصورا فالرياضي كالبحث عن الخطوط والسطوح وغيرهما مما يفتقر إلى المادة في الوجود لا في التصور وإن كانت
(٤٥)