بأن المراد الإمكان الاستعدادي الذي يجتمع مع وجود الشيء لا الإمكان الذاتي الاعتباري ورد هذا الدليل بأنا لا نسلم أن قوة قبول الأمر العدمي كالفناء مثلا يقتضي وجود محل لها يجتمع مع المقبول ولو سلم فقد سبق أن الحدوث أيضا يقتضي مادة ويكفي المادة التي تتعلق بها النفس من غير خلول فلم لا يكفي مثلها في قوة الفناء وقد يجاب بأن القوة الاستعدادية عرض فلا بد له من محل سواء كان استعداد القبول أمر وجودي أو عدمي ثم استعداد بدن الجنين بما له من اعتدال المزاج لأن يفيض عليه من المبدأ نفس تدبره معنى معقول وأما استعداده ببطلان ذلك المزاج لأن ينعدم ذلك المدبر فغير معقول بل غايته أن ينعدم ما بينهما من العلاقة وهو لا يقتضي الفناء (قال المبحث الرابع) لا نزاع في أن مدرك الكليات من الإنسان هو النفس وأما مدرك الجزئيات على وجه كونها جزئيات فعندنا النفس وعند الفلاسفة الحواس لنا وجوه الأول أن ما يشير إليه كل أحد بقوله أنا وهو معنى النفس يحكم بأن هذا الشخص من أفراد الإنسان الكلي وأنه ليس هذا الفرس وأن هذا اللون غير هذا الطعم وأن هذه الصورة الخيالية صورة زيد المحسوس إلى غير ذلك من الحكم بين الكلي والجزئي أو بين الجزئيات والحاكم بين الشيئين لا بد أن يدركهما فالمدرك من الإنسان لجميع الإدراكات شيء واحد الثاني أن نفس كل أحد تتصرف في بدنه الجزئي وتباشر أفعاله الجزئية وذلك يتوقف على إدراك تلك الجزئيات لأن الرأي الكلي نسبته إلى جميع الجزئيات على السواء ولأن كل عاقل يجد من نفسه أنه لا يحاول تدبير بدن كلي بل مقصوده تدبير بدنه الخاص الثالث أن كل أحد يعلم بالضرورة أنه واحد بالعدد يسمع ويبصر ويدرك المعقولات وإن كان يتوقف بعض هذه الإدراكات على استعمال الآلات وليست النفس سوى ذلك الواحد الذي يشير إليه كل أحد بقوله أنا أحتج الخصم بوجوه الأول أنا قاطعون بأن الإبصار للباصرة والسمع للسامعة وليسا فعلى قوة واحدة وهذا في التحقيق دعوى كون المطلوب ضروريا الثاني لو لم يكن الإبصار للباصرة والسمع للسامعة والذوق للذائقة وكذا جميع الحواس الظاهرة والباطنة لما كانت الآفة في محال هذه القوى توجب الآفة في هذه الأفعال كما لا توجبها الآفة في الأعضاء الأخر واللازم باطل بالتجربة الثالث أن إدراك المحسوسات الظاهرة لو كان للنفس لا للحواس لما توقف على حضور المحسوس عند الحاسة لأن حال النفس وإدراكاته لا تتفاوت بالغيبة والحضور الرابع لو كان التخيل للنفس لا لقوة جسمانية لما أمكن تخيل
(٤١)