شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٤٣
والمحسوس في المجرد وإما أن لا تكون الصورة حاصلة في النفس بل في الآلة فقط على ما هو الظاهر من كلامهم وليست الآلة إلا جزأ من جسم تديره النفس فلا بد من تحقيق أي حالة تحصل للنفس نسميها إدراكا وحضور الشيء عند النفس ولا يحصل بمجرد تحقق ذلك الشيء في نفسه وحصول صورته في مادته وأنها إن كانت إضافة مخصوصة فلم لا يكفي ذلك في إدراك الكليات من غير افتقار إلى حصول الصورة في النفس وبالجملة فقد جاز الإدراك من غير ارتسام صورة في المدرك فلم أوجبتم ذلك في إدراك الكليات مع أنكم تقولون الإدراك معنى واحد يختلف بالإضافة إلى الحس أو العقل قال تنبيه لما كان إدراك الجزئيات مشروطا عند الفلاسفة بحصول الصورة في الآلات فعند مفارقة النفس وبطلان الآلات لا تبقى مدركة للجزئيات ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط وعندنا لما لم تكن الآلات شرطا في إدراك الجزئيات أما لأنه ليس بحصول الصورة لا في النفس ولا في الحس وأما لأنه لا يمتنع ارتسام صورة الجزئي في النفس بل الظاهر من قواعد الإسلام أنه يكون للنفس بعد المفارقة إدراكات متجددة جزئية واطلاع على بعض جزئيات أحوال الأحياء سيما الذين كان بينهم وبين الميت تفارق في الدنيا ولهذا ينتفع بزيارة القبور والاستعانة بنفوس الأخيار من الأموات في استنزال الخبرات واستدفاع الملمات فإن للنفس بعد المفارقة تعلقا ما بالبدن وبالتربة التي دفنت فيها فإذا زار الحي تلك التربة وتوجهت تلقاء نفس الميت حصل بين النفسين ملاقاة وإفاضات قال المبحث الخامس قد سبق أن لفظ القوة كما يطلق على مبدأ التغيير والفعل فكذا على مبدأ التغير والانفعال فقوة النفس باعتبار تأثرها عما فوقها من المبادي للاستكمال بالعلوم والإدراكات تسمى عقلا نظريا وباعتبار تأثيرها في البدن لتكميل جوهره وإن كان ذلك أيضا عائدا إلى تكميل النفس من جهة أن البدن آلة لها في تحصيل العلم والعمل يسمى عقلا علميا والمشهور أن مراتب النظري أربع لأنه إما كمال وإما استعداد نحو الكمال قوي أو متوسط أو ضعيف فالضعيف وهو محض قابلية النفس للإدراكات يسمى عقلا هيولانيا تشبيها بالهيولي الأولي الخالية في نفسها عن جميع الصور القابلة لها بمنزلة قوة الطفل للكتابة والمتوسط وهو استعدادها لتحصيل النظريات بعد حصول الضروريات يسمى عقلا بالملكة لما حصل لها من ملكة الانتقال إلى النظريات بمنزلة الأمي المستعد لتعلم الكتابة وتختلف مراتب الناس في ذلك اختلافا عظيما بحسب اختلاف درجات الاستعدادات والقوى وهو الاقتدار على
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»