من النفوس الإنسانية وهي عندنا بمحض خلق الله تعالى من غير تأثير للنفوس خلافا للفلاسفة والكلام في ذلك يترتب على ثلاثة أقسام الأول فيما يتعلق بأفعالها والثاني فيما يتعلق بإدراكاتها الكائنة حالة النوم والثالث فيما يتعلق بإدراكاتها الكائنة حالة اليقظة فالأول مثل المعجزات والكرامات من الأنبياء والأولياء والإصابة بالعين ممن له تلك الخاصية بلا اختياره ومثل السحر والعزائم ونحو ذلك مما يكون بمزاولة أفعال وأعمال مخصوصة وذلك لأن للنفس تأثيرا في البدن كما للجواهر العالية المجردة في عالم الكون والفساد وليس اقتصار تأثيرها على بدنها لانطباعها فيه بل لعلاقة عشقية بينهما فلا يبعد أن يكون لبعض النفوس قوة بها تقوى على التأثير في بدن آخر بل في حيوان آخر بل في أجسام أخر حتى تصير بمنزلة نفس ما للعالم أو لبعض الأجسام لا سيما الأجسام التي يحصل لها أولوية بها لمناسبتها لبدنها بوجه خاص فلا يبعد أن تحيل الهواء إلى الغيم فتحدث مطرا بقدر الحاجة أو أزيد كالطوفان وأن تفعل تحريكا وتسكينا وتكثيفا وتخلخلا يتبعها سحب ورياح وصواعق وزلازل ونبوع مياه وعيون ونحو ذلك وكذا إهلاك مدن وإزالة أمراض ودفع مؤذيات وغيرها وربما تكون النفس شريفة قوية تطلب خيرا وتدعو الله تعالى فتستحق بهيئتها واستعدادها ترجيحا لوجود بعض الممكنات فيوجد وأمثال هذه إذا صدرت عن نفوس خيرة شريفة فإن كانت مقرونة بدعوى النبوة فمعجزات وإلا فكرامات وقد يكون في بعض النفوس خاصية تحدث فيما أعجبها أذى ظاهرا وهو الإصابة بالعين وقد تستعين النفوس في إحداث الغرائب بمزاولة أعمال مخصوصة وهي السحر أو بقوى بعض الروحانيات وهي العزائم أو بالأجرام الفلكية وهي دعوة الكواكب أو بتمزيج القوى السماوية بالأرضية وهي الطلسمات أو بالخواص العنصرية وهي النيرنجات أو بالنسب الرياضية وهي الحيل الهندسية وقد يتركب بعض هذه مع بعض كجر الأثقال ونقل المياه والآلات الرقاصة والزمارة ونحو ذلك مما يستعان عليها بمجموع الخواص العنصرية والنسب الرياضية قال وقالوا في إدراكاتها المتعلقة بالنوم إشارة إلى القسم الثاني وبيان ذلك أن النفس لاشتغالها بالتفكر فيما تورد عليها الحواس قلما تفرغ للاتصال بالجواهر الروحانية فعند ركود الحواس بسبب انخناس الروح الحاملة لقوة الحس عنها تتصل النفس بتلك الجواهر وينطبع فيها ما فيها من صور الأشياء سيما ما هو أليق بتلك النفس من أحوالها وأحوال ما يقرب منها من الأهل والولد والمال والبلد وتلك الصور قد تكون جزئية في نفسها وقد تكون كلية تحاكيها المتخيلة بصور جزئية ثم تنطبع في الخيال وتنتقل إلى الحس المشترك فتصير مشاهدة فإن كانت الصورة المشاهدة باقية على حالها بحيث لا تفاوت فيما جعلته المتخيلة جزئية إلا بالكلية والجزئية كانت الرؤيا غنية عن التعبير وإلا فإن كانت هناك مناسبة يمكن الوقوف عليها كما إذا صور المعنى
(٤٧)