بصورة لازمه أو ضده مثلا فهي رؤيا تعبر ومعنى التعبير هو التحليل بالعكس لفعل التخيل حتى ينتهي إلى ما شاهدته النفس عند الاتصال بعالم الغيب فإن المتخيلة لما فيها من غريزة المحاكاة والانتقال تترك ما أخذت وتورد شبهه أو ضده أو مناسبه وربما تبدل ذلك إلى آخر وآخر وهكذا إلى حين اليقظة فالمعبر ينظر في الحاضر أنه صورة لأية صورة وتلك لآية صورة أخرى إلى أن ينتهي إلى الصورة التي أدركتها النفس وإن لم يكن هناك مناسبة توقف عليه فتلك الرؤيا تعد من أضغاث الأحلام وقد يقع ذلك بأسباب أخر مثل أن تبقى صورة المحسوس في الخيال فتنتقل في النوم إلى الحس المتشترك ومثل إن تألف المفكرة صورة فتنتقل منها عند النوم إلى الخيال ثم منه إلى الحس المشترك ومثل أن يتغير مزاج الروح الحامل للقوة المتخيلة فتتغير أفعالها بحسب تلك التغيرات فمن غلب على مزاجه الصفراء حاكته بالأشياء الصفراء والدم فبالحمراء والسوداء فبالسوداء والبلغهم فبالجمد والثلج (قال وقالوا فيما يتعلق باليقظة) هذا هو القسم الثالث وهو غرائب تتعلق بالإدراكات حالة اليقظة وذلك أن النفس قد تكون كاملة القوة فنفى بالمتجازيين فلا يمنعها الاشتغال بتدبير البدن عن الاتصال بالمبادي أي المجردات العلوية المفارقة والمتخيلة أيضا تكون قوية بحيث تقدر على استخلاص الحس المشترك عن الحواس الظاهرة فلا يبعد ان يقع لمثل هذه النفس في اليقظة اتصال بالمبادي فينطبع فيها صور بعض المغيات مما كان أو ليكون ثم يفيض الأثر إلى المتخيلة ثم ينتقل إلى الحس المشترك فربما يكون ذلك بسماع صوت لذيذ أو هائل وربما يرد مكتوبا على لوح أو تخاطبا من إنسان أو ملك أو جني أو هاتف غيب أو نحو ذلك وقد يكون مشاهدة صور مالا حضور له عند الحس إلا لشرف النفس كمال قوته بل الفساد في الآلات التي يستعملها العقل كما في المرض والجنون أو لاستيلاء أمر يدهش الحس ويحير الخيال كالعدو بسرعة وكتأمل شيء شاف مرعش للبصر مدهش إياه لشفيفه كسواد وبراق أو لغلبة خوف أو ظن أو وهم تعين التخيل وقد يكون ذلك بالرياضات المضعفة للقوى العليقة للنفس عن اتصالها بالمبادي الجاذبة إياها إلى جانب السفليات إلى غير ذلك من الأسباب المؤثرة عند الفلاسفة والعادية عندنا والخالق هو الله تعالى قال ووقوع بعض الغرائب ذهب جمهور الفلاسفة إلى أنه ليست لغير الإنسان من الحيوانات نفوس مجردة مدركة للكليات وبعضهم إلى أنا لا نعرف وجود النفس لها لعدم الدليل ولا نقطع بالانتفاء لقيام الاحتمال وما يتوهم من أنه لو كانت لها نفوس لكانت إنسانا لأن حقيقته النفس والبدن لا غير ليس بشيء لجواز اختلاف النفسين بالحقيقة وجواز التميز لفصول أخر لا يطلع على حقيقتها وذهب جمع من أهل النظر إلى ثبوت ذلك تمسكا بالعقول والمنقول أما المعقول فهو أنا نشاهد منها أفعالا غريبة تدل على أن لها إدراكات كلية وتصورات عقلية كالنحل في بناء بيوته المسدسة والانقياد لرئيس والنمل في إعداد
(٤٨)