شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٤٢
ذوات الأوضاع والمقادير لامتناع ارتسامها في المجرد وقد سبق أنه لا بد في الإدراك من الارتسام الخامس لو لم يكن التخيل للقوة الجسمانية لم يحصل الامتياز بين المتيامن والمتياسر فيما إذا تخيلنا لا من الخارج مربعا مجنحا بمربعين متساويين في جميع الوجوه إلا في أن أحدهما على يمين المربع والآخر على يساره هكذا إذ ليس امتيازهما بالماهية ولوازمها وعوارضها كالمقدار والشكل والسواد والبياض وغير ذلك لفرض التساوي فيها بل بالمحل وليس المحل الخارجي لأن المفروض أنه لم يؤخذ من الخارج فتعين المحل الإدراكي والمجرد لا يصلح محلا لذلك فتعين الآلة الجسمانية ولا يخفى أنا إذا جعلنا القوى الجسمانية آلات للإحساس وإدراك الجزئيات والمدرك هو النفس على ما صرح به المتأخرون من الحكماء ارتفع نزاع الفريقين وظهر الجواب عن أدلتهم إلا أنه يرد إشكالات الأول أن غير الإنسان من الحيوانات يدرك المحسوسات فلو كان المدرك هو النفس المجردة كما في الإنسان لما صح ذلك إذ ليست لها نفوس ناطقة وفاقا والجواب أنه لو سلم ذلك يجوز أن يكون المدرك فيها هي القوى الجسمانية وفينا النفس بواسطة القوى وهذا معنى قولنا الاشتراك في اللوازم وهي الإحساسات لا يوجب الاشتراك في الملزوم وهو النفس المجردة الثاني أنه لو كان إدراك النفس للجزئيات بمعونة الآلات لما أدركت النفس هويتها لامتناع توسط الآلة في ذلك واللازم باطل بالضرورة والاتفاق والجواب أن المفتقر إلى توسط الآلة إدراك الجزئيات التي يمتنع ارتسام صورها في النفس المجردة وأما ما لا يفتقر إدراكها إلى ارتسام صورة كإدراك النفس ذاتها فلا يفتقر إلى توسط آلة الثالث أنها عند تعلقها بالبدن تتصوره بعينه إذ لا يكفي في ذلك تصور بدن كلي لأن نسبته إلى الكل على السواء وكانت قبل استعمال الآلات مدركة للجزئيات والجواب أن تعلقها بالبدن شوقي طبيعي بمقتضى المناسبة لا إرادي ليتوقف على تصور البدن بعينه الرابع أنها عند قصد استعمال الآلات للإدراكات والتحريكات تتصورها بأعيانها من غير توسط آلة والجواب أنها تتصورها من حيث هي آلات لهذه النفوس حاصلة في هذا البدن المحسوس فيحصل التخصيص بهذه الإضافة ولا يلزم إدراكها من حيث كونها جزئيات في ذواتها كما إذا حاولنا سلوك طريق نعرفه بصفاته بحيث يتعين في الخارج وإن لم نشاهده بعينه ويجوز أن ندركها بعينها على سبيل التخيل فإن المتخيلات لا يجب أن تتأدى من طرق الحواس البتة بقي ههنا إشكال وهو أنه إذا كان المدرك للجزئيات هو النفس لكن بحصول الصورة في الآلة فإما أن تكون الصورة حاصلة في النفس أيضا على ما يشعر به قولهم ليس الإدراك بحصول الصورة في الآلة فقط بل بحصولها في النفس لحصولها في الآلة وبالحضور عند المدرك للحضور عند الحس من غير أن يكون هناك حضور مرتين وحينئذ يعود المحذور أعني ارتسام صورة الجزئي
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»