شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٤٠
النار اجتراء على الله وافتراء على ما هو دأب الملاحدة والزنادقة ومن يجري مجراهم من الغاوين المغوين الذين هم شياطين الإنس الذين يوحون إلى العوام والقاصرين من المحصلين زخرف القول غرورا فمن جملة ذلك ما قالوا في قوله تعالى * (كلما نضجت جلودهم) * أي بالفساد * (بدلناهم جلودا غيرها) * أي بالكون وفي قوله تعالى * (كلما أرادوا أن يخرجوا منها) * أي من دركات جهنم التي هي أبدان الحيوانات وكذا في قوله تعالى * (فهل إلى خروج من سبيل) * وقوله تعالى * (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) * وفي قوله تعالى * (وما من دابة في الأرض) * الآية معناه أنهم كانوا مثلكم في الخلق والمعايش والعلوم والصناعات فانتقلوا إلى أبدان هذه الحيوانات وفي قوله تعالى * (كونوا قردة خاسئين) * أي بعد المفارقة وفي قوله تعالى * (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم) * أي على صور الحيوانات المنتكسة الرؤوس إلى غير ذلك من الآيات ومن نظر في كتب التفسير بل في سياق الآيات لا يخفى عليه فساد هذه الهذيانات وجوز بعض الفلاسفة تعلق النفوس المفارقة ببعض الأجرام السماوية للاستكمال وبعضهم على أن نفوس الكاملين تتصل بعالم المجردات ونفوس المتوسطين تتخلص إلى عالم المثل المعلقة في مظاهر الأجرام العلوية على اختلاف مراتبهم في ذلك ونفوس الأشقياء إلى هذا العالم في مظاهر الظلمانيات والصور المستكرهة بحسب اختلاف مراتبهم في الشقاوة فيبقى بعضهم في تلك الظلمات أبدا لكون الشقاوة في الغاية وبعضهم ينتقل بالتدريج إلى عالم الأنواع المجردة وستعرف معنى المثل المعلقة قال المبحث الثالث يعني أن فناء البدن لا يوجب فناء النفس المغايرة له مجردة كانت أو مادية أي جسما حالا فيه لأن كونها مدبرة له متصرفة فيه لا يقتضي فناءها بفنائه لكن مجرد ذلك لا يدل على كونها باقية البتة فلهذا احتيج في ذلك إلى دليل وهو عندنا النصوص من الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهي من الكثرة والظهور بحيث لا تفتقر إلى الذكر وقد أورد الإمام في المطالب العالية من الشواهد العقلية والنقلية في هذا الباب ما يفضي ذكره إلى الإطناب وأما الفلاسفة فزعموا أنه يمتنع فناء النفس بوجهين أحدهما أنها مستندة إلى علة قديمة إما بالاستقلال فتكون أزلية أبدية وإما بشرط حادث هو المزاج الصالح فلا تكون أزلية لكنها أبدية لأن ذلك شرط للحدوث دون البقاء وعليه منع ظاهر وثانيهما أنها لو كانت قابلة للفناء والفساد وهي باقية بالفعل لكان فيها فعل البقاء وقوة الفساد وهما متغايران ضرورة ويمتنع أن يكون محلهما واحدا لأن محل قبول الشيء يكون باقيا معه موصوفا به ومحال أن يكون الباقي بالفعل باقيا مع الفناء والفساد والنفس جوهر بسيط محل للبقاء بالفعل فيمتنع أن يكون بعينها محلا لقوة الفساد أو مشتملة عليه فلا تكون هي ولا شيء من المجردات قابلة للفناء والفساد وإنما يكون ذلك للصور والأعراض ويكون القابل هو المادة الباقية فإن قيل قوة الفناء هي إمكان العدم وهو أمر اعتباري لا يقتضي وجود محل أجيب
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»