من العنصر الكثيف ما يحصل معه الرؤية لبعض الأبصار دون البعض وفي بعض الأحوال دون البعض أو يظهروا أحيانا في أجسام كثيفة هي بمنزلة الغشاء والجلباب لهم فيبصروا أن تكون نفوسهم أو أمزجتهم أو صورهم النوعية تقتضي حفظ تركيبهم عن الانحلال وتبدل أشكالهم بحسب اختلاف الأوضاع والأحوال أو يكون فيهم من الفطنة والذكاء ما يعرفون به جهات هبوب الرياح وسائر أسباب انحلال التركيب فيحترزون عنها ويأوون إلى أماكن لا يلحقهم ضرر وأما الجواب بأنه يجوز أن تكون لطافتهم بمعنى الشفافية دون رقة القوام فلا يلائم ما يحكى عنهم من النفوذ في المنافذ الضيقة والظهور في ساعة واحدة في صور مختلفة بالصغر والكبر ونحو ذلك قال خاتمة يشير إلى ما ذهب إليه بعض المتألهين من الحكماء ونسب إلى القدماء من أن بين عالمي المحسوس والمعقول واسطة يسمى عالم المثل ليس في تجرد المجردات ولا في مخالطة الماديات وفيه لكل موجود من المجردات والأجسام والأعراض حتى الحركات والسكنات والأوضاع والهيئات والطعوم والروائح مثال قائم بذاته معلق لا في مادة ومحل يظهر للحس بمعونة مظهر كالمرآة والخيال والماء والهواء ونحو ذلك وقد ينتقل من مظهر إلى مظهر وقد يبطل كما إذا فسدت المرآة والخيال أو زالت المقابلة أو التخيل وبالجملة هو عالم عظيم الفسحة غير متناه يحذو حذو العالم الحسي في دوام حركة أفلاكه المثالية وقبول عناصره ومركباته آثار حركات أفلاكه وإشراقات العالم العقلي وهذا ما قال الأقدمون أن في الوجود عالما مقداريا غير العالم الحسي لا تتناهى عجائبه ولا تحصى مدته ومن جملة تلك المدن جابلقا وجابرصا وهما مدينتان عظيمتان لكل منهما ألف باب لا يحصى ما فيهما من الخلائق ومن هذا العالم تكون الملائكة والجن والشياطين والغيلان لكونها من قبيل المثل أو النفوس الناطقة المفارقة الظاهرة فيها وبه تظهر المجردات في صور مختلفة بالحسن والقبح واللطافة والكثافة وغير ذلك بحسب استعداد القابل والفاعل وعليه بنوا أمر المعاد الجسماني فإن البدن المثالي الذي تتصرف فيه النفس حكمه حكم البدن الحسي في أن له جميع الحواس الظاهرة والباطنة فيلتذ ويتألم باللذات والآلام الجسمانية وأيضا يكون من الصور المعلقة نورانية فيها نعيم السعداء وظلمانية فيها عذاب الأشقياء وكذا أمر المنامات وكثير من الإدراكات فإن جميع ما يرى في المنام أو يتخيل في اليقظة بل يشاهد في الأمراض وعند غلبة الخوف ونحو ذلك من الصور المقدارية التي لا تحقق لها في عالم الحس كلها من عالم المثل وكذا كثير من الغرائب وخوارق العادات كما يحكى عن بعض الأولياء أنه مع إقامته ببلدته كان من حاضري المسجد الحرام أيام الحج وأنه ظهر من بعض جدران البيت أو خرج من بيت مسدود الأبواب والكوات وأنه أحضر بعض الأشخاص أو الثمار أو غير ذلك من مسافة بعيدة في زمان قريب إلى غير
(٥٦)