الذخيرة والإبل والبغل والخيل والحمار في الاهتداء إلى الطريق في الليالي المظلمة والفيل في غرائب أحوال نشاهد منه وكثير من الطيور والحشرات في علاج أمراض تعرض لها إلى غير ذلك من الحيل العجيبة التي يعجز عنها كثير من العقلاء وأما المنقول فكقوله تعالى * (والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) * وقوله تعالى * (وأوحى ربك إلى النحل) * الآية وقوله تعالى * (يا جبال أوبي معه والطير) * وقوله تعالى حكاية عن الهدهد * (أحطت بما لم تحط به) * الآية وحكاية عن النملة * (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) * الآية (قال الفصل الثاني في العقل) احتجت الفلاسفة على ثبوته بوجوه أحدها أن المعلول الأول يجب أن يكون جوهرا مفارقا في ذاته وفعله وهو المراد بالعقل أما الجوهرية فلأن العرض لا يمكن بدون المحل فالمحل إما معلول للعلة الأولى أعني الواجب فيلزم صدور الكثير أعني العرض والمحل من الواحد الحقيقي وأما للعرض فيلزم تقدم الشيء على نفسه وأما المفارقة فلأنه لو كان جسما وهو مركب من المادة والصورة لزم المحال المذكور وإن كان مادة أو صورة وكل منهما لا يوجد بدون الآخر فلزم فاعلية أحدهما للآخر مح أما المادة فلأن شأنها القبول دون الفعل وأما الصورة فلأنها إنما تفعل بمشاركة المادة فيلزم تقدمها على نفسها وإن كانت نفسا أي مفارقا في ذاته لا فعله فالبدن الذي هو شرط الفاعلية إما معلول للواجب فيلزم الكثرة أو للنفس فيلزم تقدمه على نفسه فصار الحاصل أن لنا أمر أصح وجوده عن العلة الأولى وإيجاده للمعلول الثاني وما ذاك إلا العقل لأن الجسم لما فيه من الكثرة لا يصلح معلولا للعلة الأولى وغيره لا يصلح علة للمعلول الثاني لأن ما يصلح منه للعلية يفتقر في عليته إلى أمر خارج عن ذاته فإن كان معلولا له لزم تقدم الشيء على نفسه وإن كان معلولا للعلة الأولى لزم صدور الكثرة عنها وثانيها أن علة أول الأجسام يجب أن تكون عقلا وإلا لكان إما واجبا فيلزم صدور الكثرة عنه وأما غيره فيلزم تقدم الشيء على نفسه أما إذا كان جسما أو عرضا قائما به فظاهر وأما إذا كان نفسا فلأن فعلها مشروط بالجسم وإلا لكان عقلا لا نفسا فذلك الجسم أما الجسم الأول فيتقدم على نفسه بمرتبة وأما الثاني والثالث فيتقدم بمراتب وأما إذا كان مادة أو صورة فلأن كلا منهما لا توجد بدون الأخرى ومجموعهما جسم فلو كان فاعل الجسم الأول أحدهما لكان قبل الجسم الأول جسم وفيه تقدم الشيء على نفسه بمرتبة أو بمراتب واعترض على الوجهين بمنع بعض المقدمات أي لا نسلم امتناع صدور الكثير عن الواحد وقد تكلمنا على دليله ولو سلم فلم لا يجوز أن يكون الواجب مختارا يصدر عنه الكثرة بواسطة الإرادة ولا نسلم أن أول ما يصدر عن الواجب يلزم أن يكون أحد الأمور المذكورة لم لا يجوز أن يكون صفة من صفات الواجب ثم يصدر المعلول الثاني والثالث عن تلك الصفة أو عن الذات بواسطتها ولا نسلم أن المعلول الأول يجب أن يكون موجدا لما بعده لجواز أن يكون واسطة وحينئذ يجوز أن يكون أول ما يصدر
(٤٩)