بل ربما يستلزمها واحتج أصحابنا على عدم وجوب العصمة بالإجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مع الإجماع على أنهم لم تجب عصمتهم وإن كانوا معصومين بمعنى أنهم منذ آمنوا كان لهم ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها وحاصل هذا دعوى الإجماع على عدم اشتراط العصمة في الإمام وإلا فليس للإجماع على عدم وجوب عصمة الشخص كثير معنى وقد يحتج كثير بأن العصمة مما لا سبيل للعباد إلى الاطلاع عليه فإيجاب نصب إمام معصوم يعود إلى تكليف ما ليس في الوسع وفي انتهاض الوجهين على الشيعة نظر والظاهر أنه لا حاجة إلى الدليل على عدم اشتراط وإنما يحتاج إليه في الاشتراط وقد احتجوا بوجوه الأول القياس على النبوة بجامع إقامة الشريعة وتنفيذ الأحكام وحماية حوزة الإسلام ورد بأن النبي مبعوث من الله مقرون دعواه بالمعجزات الباهرة الدالة على عصمته من الكذب وسائر الأمور المحلة بمرتبة النبوة ومنصب الرسالة ولا كذلك الإمام فإن نصبه مفوض إلى العباد الذين لا سبيل لهم إلى معرفة عصمته واستقامة سريرته فلا وجه لاشتراطها وأيضا النبي يأتي بالشريعة التي لا علم للعباد بها إلا من جهته فلو لم يكن معصوما عن الكذب في تبليغها والفسق في تعاطيها وقد لزمنا امتثاله فيما أمر ونهى واعتقاد إباحة ما جرى عليه ومضى لكانت المعجزة التي أقامها الله تعالى لصحة الرسالة والهدى وانتظام أمر الدين والدنيا مفضية إلى الضلالة والردى واختلال حال العاجلة والعقبى الثاني أن الإمام واجب الطاعة بالنص والإجماع قال الله تعالى * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * وكل واجب الطاعة واجب العصمة وإلا لجاز أن يكذب في تقرير الأوامر والنواهي وينهى عن الطاعات ويأمر بالمعاصي فيلزم وجوب اجتناب الطاعة وارتكاب العصيان واللازم ظاهر البطلان والجواب أن وجوب طاعته إنما هو فيما لا يخالف الشرع بشهادة قوله تعالى * (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) * ويكفي في عدم كذبه في بيان الأحكام العلم والعدالة والإسلام وهذا ما يقال إنما يجب عصمته لو كان وجوب طاعته بمجرد قوله وأما إذا كان لكونه حكم الله ورسوله فيكفي العلم والعدالة كالقاضي والوالي بالنسبة إلى الخلق والشاهد بالنسبة إلى الحاكم والمفتي بالنسبة إلى المقلد وأمثال ذلك على أن الإجماع عند الشيعة إنما يكون حجة لاشتماله على قول
(٢٧٩)