شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٧٨
في باب الإمامة على الاختيار والاقتدار وأما عند العجز والاضطرار واستيلاء الظلمة والكفار والفجار وتسلط الجبابرة الأشرار فقد صارت الرياسة الدنيوية تغلبية وبنيت عليها الأحكام الدينية المنوطة بالإمام ضرورة ولم يعبأ بعدم العلم والعدالة وسائر الشرائط والضرورات تبيح المحظورات وإلى الله المشكي في النائبات وهو المرتجى لكشف الملمات قال واشترطت الشيعة أمورا منها أن يكون هاشميا أي من أولاد هاشم بن عبد مناف أبي عبد المطلب وليس لهم في ذلك شبهة فضلا عن حجة وإنما قصدهم نفي إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ومنهم من اشترط كونه علويا نقيا لخلافة بني العباس وكفى بإجماع المسلمين على إمامة الأئمة الثلاثة حجة عليهم ومنها أن يكون عالما بكل الأمور وأن يكون مطلعا على المغيبات وهذه جهالة تفرد بها بعضهم ومنها أن يكون أفضل أهل زمانه لأن قبح تقديم المفضول على الأفضل في إقامة قوانين الشريعة وحفظ حوزة الإسلام معلوم للعقلاء ولا ترجيح في تقديم المساوي ونقل مثل ذلك عن الأشعري حتى لا تنعقد إمامة المفضول مع وجود الأفضل لأن الأفضل أقرب إلى انقياد الناس له واجتماع الآراء على متابعته ولأن الإمامة خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجب أن يطلب لها من له رتبة أعلى قياسا على النبوة وأجيب بأن القبح بمعنى استحقاق تاركه الذم والعقاب عند الله ممنوع وبمعنى عدم ملاءمته بمجاري العقول والعادات غير مفيد مع أنه أيضا في حيز المنع إذ ربما يكون المفضول أقدر على القيام بمصالح الدين والملك ونصبه أوفق لانتظام حال الرعية وأوثق في اندفاع الفتنة وهذا بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مبعوث من العليم الحكيم الذي يختار من يشاء من عباده لنبوته ويوحي إليه مصالح الملك والملة ويراه أهلا لتبليغ ما أوحي إليه بمشيئته فيدل ذلك قطعا على أفضليته وإليه الإشارة بقوله تعالى * (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) * وقد يحتج بجواز تقديم المفضول بوجوه الأول إجماع العلماء بعد الخلفاء الراشدين على انعقاد الإمامة لبعض القريشيين مع أن فيهم من هو أفضل منه الثاني أن عمر رضي الله عنه جعل الإمامة شورى بين ستة من غير نكير عليه مع أن فيهم عثمان وعليا وهما أفضل من غيرهم إجماعا ولو وجب تعيين الأفضل لعينهما الثالث أن الأفضلية أمر خفي قلما يطلع عليه أهل الحل والعقد وربما يقع فيه النزاع ويتشوش الأمر وإذا أنصفت فتعيين الأفضل متعسر في أقل فرقة من فرق الفاضلين فكيف في قريش مع كثرتهم وتفرقهم في الأطراف وأنت خبير بأن هذا وأمثاله على تقدير تمامه إنما يصلح للاحتجاج على أهل الحق دون الروافض فإن الإمام عندهم منصوب من قبل الحق لا من قبل الخلق قال وإن يكون معصوما من معظم الخلافيات مع الشيعة اشتراطهم أن يكون الإمام معصوما وقد عرفت معنى العصمة وأنها لا تنافي القدرة على المعصية
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»