في الزكاة فالوجوب مشروط بحصول النصاب حتى إذا انتفى فلا وجوب الثالث أن في نصب الإمام استجلاب منافع لا تحصى واستدفاع مضار لا يخفى وكل ما هو كذلك فهو واجب أما الكبرى فبالإجماع وأما الصغرى فيكاد يلحق بالضروريات بل المشاهدات ويعد من العيان الذي لا يحتاج إلى البيان ولهذا اشتهر أن ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن وما يلتئم باللسان لا ينتظم بالبرهان وذلك لأن الاجتماع المؤدي إلى صلاح المعاش والمعاد لا يتم بدون سلطان قاهر يدرأ المفاسد ويحفظ المصالح ويمنع ما يتسارع إليه الطباع ويتنازع عليه الأطماع وكفاك شاهدا ما يشاهد من استيلاء الفتن والابتلاء بالمحن لمجرد هلاك من يقوم بحماية الجورة ورعاية البيضة وإن لم يكن على ما ينبغي من الصلاح والسداد ولم يخل عن شائبة شر وفساد ولهذا لا ينتظم أمر أدنى اجتماع كرفقة طريق بدون رئيس يصدرون عن رأيه ومقتضى أمره ونهيه بل ربما يجري مثل هذا فيما بين الحيوانات العجم كالنحل لها عظيم يقوم مقام الرئيس ينتظم أمرها به ما دام فيها وإذا هلك انتشرت الأفراد انتشار الجراد وشاع فيما بينها الهلاك والفساد لا يقال فغاية الأمر أنه لا بد في كل اجتماع من رئيس مطاع منوط به النظام والانتظام لكن من أين يلزم عموم رياستها جميع الناس وشمولها أمر الدين على ما هو المعتبر في الإمام لأنا نقول انتظام أمر عموم الناس على وجه يؤدي إلى صلاح الدين والدنيا يفتقر إلى رياسة عامة فيهما إذ لو تعدد الرؤساء في الأصقاع والبقاع لأدى إلى منازعات ومخاصمات موجبة لاختلال أمر النظام ولو اقتصرت رياسته على أمر الدنيا لفات انتظام أمر الدين الذي هو المقصود الأهم والعمدة العظمى وأما الكبرى فبالإجماع عندنا وبالضرورة عند القائلين بالوجوب العقلي واعتراض صاحب تلخيص المحصل بأن بيان الصغرى عقلي من باب القبح والحسن وليس من مذهبكم والكبرى أوضح من الصغرى فلا حاجة إلى التعرض للإجماع مدفوع بأن كون الشيء صلاحا أو فسادا ليس في شيء من متنازع الحسن والقبح وكون دفع الضرر واجبا بمعنى استحقاق تاركه العقاب عند الله تعالى ليس بواضح فضلا عن الأوضح ولا ينبغي أن يخفى مثل هذا عليه ولا أن يكون الرجل العالم العلمي في هذه الغاية من الشغف بالاعتراض لا يقال الإجماع على الوجوب إنما هو إذا لم يتضمن مضرة مثل المضرة المندفعة أو فوتها وههنا نصب الإمام يتضمن مفاسد لا يضبطها العد والإحصاء لما في الآراء من اختلافات الأهواء وفي الطباع من الاستنكاف عن تسلط الأكفاء والإنسان قليل البقاء على ما عليه من الاهتداء وصلاح الاقتداء فتميل النفوس إلى الإباء والاستعصاء ويظهر الفساد ويكثر البغي والعناد ويهلك الحرث والنسل ويذهب الفرع والأصل وكفاك شاهدا ما تسمع من قصص انقضاء خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه إلى ابتداء دولة بني العباس لأنا نقول مضاره
(٢٧٤)