شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٩٠
عن حجة الوداع وكان يوما صائفا حتى أن الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدة الحر وجمع الرجال وصعد عليه السلام عليها وقال مخاطبا معاشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا اللهم بلى قال فمن كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وهذا حديث متفق على صحته أورده علي رضي الله عنه يوم الشورى عندما حاول ذكر فضائله ولم ينكره أحد ولفظ المولى قد يراد به المعتق والمعتق والحليف والجار وابن العم والناصر والأولى بالتصرف قال الله تعالى * (مأواكم النار هي مولاكم) * أي أولى بكم ذكره أبو عبيدة وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن مولاها أي الأولى بها والمالك لتدبير أمرها ومثله في الشعر كثير وبالجملة استعمال المولى بمعنى المتولي والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائع في كلام العرب منقول عن كثير من أئمة اللغة والمراد أنه اسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنه ليس من صيغة اسم التفضيل وأنه لا يستعمل استعماله وينبغي أن يكون المراد به في الحديث هو هذا المعنى ليطابق صدر الحديث ولأنه لا وجه للخمسة الأول وهو ظاهر ولا للسادس لظهوره وعدم احتياجه إلى البيان وجمع الناس لأجله سيما وقد قال الله تعالى * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) * ولا خفاء في أن الولاية بالناس والتولي والمالكية لتدبير أمرهم والتصرف فيهم بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم هو معنى الإمامة والجواب منع تواتر الخبر فإن ذلك من مكابرات الشيعة كيف وقد قدح في صحته كثير من أهل الحديث ولم ينقله المحققون منهم كالبخاري ومسلم والواقدي وأكثر من رواه لم يرو المقدمة التي جعلت دليلا على أن المراد بالمولى الأولى وبعد صحة الرواية فمؤخر الخبر أعني قوله اللهم وال من والاه يشعر بأن المراد بالمولى هو الناصر والمحب بل مجرد احتمال ذلك كاف في دفع الاستدلال وما ذكره من أن ذلك معلوم ظاهر من قوله تعالى * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) * لا يدفع الاحتمال لجواز أن يكون الغرض التنصيص على موالاته ونصرته ليكون أبعد عن التخصيص الذي تحتمله أكثر العمومات وليكون أقوى دلالة وأوفى بإفادة زيادة الشرف حيث قرن بموالاة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا القدر من المحبة والنصرة لا يقتضي ثبوت الإمامة وبعد تسليم الدلالة على الإمامة فلا عبرة بخبر الواحد في مقابلة الإجماع ولو سلم فغايته الدلالة على استحقاق الإمامة وثبوتها في المال لكن من اين يلزم نفي إمامة الأئمة قبله وهذا قول بالموجب وهو جواب ظاهر لم يذكره القوم وإذا تأملت فما يدعون من تواتر الخبر حجة عليهم لا لهم لأنه لو كان مسوقا لثبوت الإمامة دالا عليه لما خفي على عظماء الصحابة فلم يتركوا الاستدلال به ولم يتوقفوا في أمرالإمامة والقول بأن القوم تركوا الانقياد عنادا وعلي رضي الله تعالى عنه ترك الاحتجاج تقية آية الغواية وغاية الوقاحة وأما حديث المنزلة فهو قوله عليه السلام لعلي رضي الله تعالى عنه أنت مني بمنزلة هارون
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»