شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٨٤
أن النص قد لحقه النسخ لما رأوا من ترك كبار الصحابة العمل به إلى غير ذلك وترك علي رضي الله تعالى عنه المحاجة به تقية وخوفا من الأعداء وقلة وثوق بقبول الجماعة قلنا من كان له حظ من الديانة والإنصاف علم قطعا براءة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلالة أقدارهم عن مخالفة أمره في مثل هذا الخطب الجليل ومتابعة الهوى وترك الدليل واتباع خطوات الشيطان والضلال عن سواء السبيل وكيف يظن بجماعة رضي الله عنهم وآثرهم الله لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ونصره دينه ووصفهم بكونهم * (خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) * وقد تواتر منهم الإعراض عن متاع الدنيا وطيباتها وزخارفها ومستلذاتها والإقبال على بذل مهجهم وذخايرهم وقتل أقاربهم وعشايرهم في نصرة رسول الله وإقامة شريعته وانقياد أمره واتباع طريقته أنهم خالفوه قبل أن يدفنوه وتركوا هداهم واتبعوا هواهم وعدلوا عن الحق الصحيح إلى الباطل الصريح وخذلوا مستحقا من خالص بني هاشم وخاص ذوي القربى إلى غاصب من بني تميم أو عدي بن كعب وأن مثل علي رضي الله عنه مع صلابته في الدين وبسالته وشدة شكيمته وقوة عزيمته وعلو شأنه وكثرة أعوانه وكون أكثر المهاجرين والأنصار والرؤساء الكبار معه قد ترك حقه وسلم الأمر لمن لا يستحقه من شيخ من بني تيم ضعيف الحال عديم المال قليل الأتباع والأشياع ولم يقم بأمره وطلب حقه كما قام به حين أفضى النوبة إليه وقاتل من نازعه بكلتا يديه حتى فني الخلق الكثير والجم الغفير وآثر على التقية الحمية في الدين والعصبية للإسلام والمسلمين مع أن الخطب إذ ذاك أشد والخصم ألد وفي أول الأمر قلوب القوم أرق وجانبهم أسهل وآراؤهم إلى اتباع الحق واجتناب الباطل أميل وعهدهم بالنبي صلى الله عليه وسلم أقوى وهممهم في تنفيذ أحكامه أرغب ومن ادعى النص الجلي فقد طعن في كبار المهاجرين والأنصار عامة بمخالفة الحق وكتمانه وفي علي رضي الله تعالى عنه خاصة باتباعه الباطل وإذعانه بل في النبي صلى الله عليه وسلم حيث اتخذ القوم أحبابا وأصحابا وأعوانا وأنصارا وأختانا وأصهارا مع علمه بحالهم في ابتدائهم ومآلهم بل في كتاب الله تعالى حيث أثنى عليهم وجعلهم خير أمة ووصفهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن مكابرات الروافض ادعاؤهم تواتر هذا النص قرنا بعد قرن مع أنه لم يشتهر فيما بين الصحابة والتابعين ولم يثبت ممن يوثق به من المحدثين مع شدة ميلهم إلى أمير المؤمنين ونقلهم الأحاديث الكثيرة في مناقبه وكمالاته في أمر الدنيا والدين ولم ينقل عنه رضي الله تعالى عنه في خطبه ورسائله ومفاخرة إشارة إلى ذلك وابن جرير الطبري مع اتهامه بالتشيع لم يذكر في روايته قصة الدار هذه الزيادة التي يدعيها الشيعة وهي قوله صلى الله عليه وسلم إنه خليفتي فيكم من بعدي ونعم ما قال المأمون وجدت أربعة في أربعة الزهد في المعتزلة والكذب في الرافضة والمروءة في أصحاب
(٢٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 ... » »»