الضد فلهذا يرى الكثير من الأشاعرة يبنون القول بأن العبرة بإيمان الموافاة وسعادتها بمعنى أن ذلك هو المنجي لا بمعنى أن إيمان الحال ليس بإيمان وكفره ليس بكفر وكذا السعادة والشقاوة والولاية والعداوة وعلى هذا يسقط عنهم ما يقال أنه إذا اتصف بالإيمان على الحقيقة كان مؤمنا حقا ولا يصح أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله تعالى كما لا يصح أن يقول أنا حي إن شاء الله تعالى وإذا كان مؤمنا حقا كان مؤمنا عند الله تعالى وفي علم الله وإن كان الله تعالى يعلم أنه يتغير عن تلك الحال وإذا كان مؤمنا في الحال كان وليا لله سعيدا وإن كان كافرا كان عدوا له شقيا وكما يصير المؤمن كافرا يصير الولي عدوا والسعيد شقيا وبالعكس وما يحكى عنهم من أن السعيد لا يشقى والشقي لا يسعد وأن السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه فمعناه أن من علم الله منه السعادة المعتبرة التي هي سعادة الموافاة فهو لا يتغير إلى شقاوة الموافاة وبالعكس وكذا في الولاية والعداوة وأن السعيد الذي يعتد بسعادته من علم الله أنه يختم له بالسعادة وكذا الشقاوة وبالجملة لا يشك المؤمن في ثبوت الإيمان وتحققه في الحال ولا في الجزم بالثبات والبقاء عليه في المآل لكن يخاف سوء الخاتمة ويرجو حسن العاقبة فيربط إيمان الموافاة الذي هو آية الفوز والنجاة ووسيلة نيل الدرجات بمشيئة الله جريا على مقتضى قوله تعالى * (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * جعل الله حياتنا إليه ومماتنا عليه وختم لنا بالحسنى ويسرنا للفوز بالذخر الأسنى بالنبي وآله قال المبحث الخامس ذهب كثير من العلماء وجميع الفقهاء إلى صحة إيمان المقلد وترتب الأحكام عليه في الدنيا والآخرة ومنعه الشيخ أبو الحسن والمعتزلة وكثير من المتكلمين حجة لقائلين بالصحة أن حقيقة الإيمان هو التصديق وقد وجدت من غير اقتران بموجب من موجبات الكفر فإن قيل لا يتصور التصديق بدون العلم لأنه إما ذاتي للتصديق أو شرط له على ما سبق ولا علم للمقلد لأنه اعتقاد جازم مطابق يستند إلى سبب من ضرورة أو استدلال قلنا المعتبر في التصديق هو اليقين أعني الاعتقاد الجازم المطابق بل ربما يكتفى بالمطابقة ويجعل الظن الغالب الذي لا يخطر معه النقيض بالبال في حكم اليقين وقد يقال أن التصديق قد يكون بدون العلم والمعرفة وبالعكس فإنا نؤمن بالأنبياء والملائكة ولا نعرفهم بأعيانهم ونؤمن بجميع أحوال القيمة من الحساب والميزان والصراط وغير ذلك ولا نعرف كيفياتها وأوصافها وأهل الكتاب كانوا يعرفون النبي عليه السلام كما يعرفون أبناءهم ولم يكونوا مؤمنين وفيه نظر لأن المراد العلم بما حصل التصديق به ونحن نعلم من الأنبياء والملائكة ما نصدق به فامتناع التصديق بدون العلم بمعنى الاعتقاد قطعي وإنما الكلام في العكس فإن قيل نحن لا ننفي كونه إيمانا وتصديقا لكنا ندعي أنه لا ينفع بمنزلة إيمان اليأس فإن عدم نفعه على ما ذكره الشيخ أبو منصور الماتريدي معلل بأن العبد لا يقدر حينئذ أن يستدل بالشاهد على الغائب ليكون مقاله عن معرفة وعلم
(٢٦٤)