استدلالي فإن الثواب على الإيمان إنما هو بمقابلة ما يتحمله من المشقة وهي في آداب الفكر وإدمان النظر في معجزات الأنبياء أو في محدثات العالم والتمييز بين الحجة والشبهة لا في تحصيل أصل الإيمان قلنا النص إنما قام على عدم نفع إيمان اليأس ومعاينة العذاب دون إيمان المقلد والإجماع أيضا إنما انعقد عليه والتمسك بالقياس لو سلم صحته في الأصول فلا نسلم أن لعلة ما ذكرتم بل ذهب الماتريدي وكثير من المحققين إلى أن إيمان اليأس إنما لم ينفع لأنه إيمان دفع عذاب لا إيمان حقيقة ولأنه لا يبقى للعبد حينئذ قدرة على التصرف في نفسه والاستمتاع بها لأن عذاب الدنيا مقدمة لعذاب الآخرة إذ ربما يموت العبد فيه فينتقل إلى عذاب الآخرة بخلاف إيمان المقلد فإنه تقرب إلى الله تعالى وابتغاء لمرضاته من غير إلجاء ولا قصد دفع العذاب ولا انتفاء قدرة على التصرف في النفس قال وأما المانعون يعني القائلين بأن إيمان المقلد ليس بصحيح أوليس بنافع فمنهم من قال لا يشترط ابتناء الاعتقاد على استدلال عقلي في كل مسئلة بل يكفي ابتناؤه على قول من عرف رسالته بالمعجزة مشاهدة أو تواترا أو على الإجماع فيقبل قول النبي صلى الله عليه وسلم بحدوث العالم وثبوت الصانع ووحدانيته ومنهم من قال لا بد من ابتناء الاعتقاد في كل مسئلة من الأصول على دليل عقلي لكن لا يشترط الاقتدار على التعبير عنه وعلى مجادلة الخصوم ودفع الشبهة وهذا هو المشهور عن الشيخ أبي الحسن الأشعري حتى حكي عنه أنه من لم يكن كذلك لم يكن مؤمنا لكن ذكر عبد القاهر البغدادي إن هذا وإن لم يكن عند الأشعري مؤمنا على الإطلاق فليس بكافر لوجود التصديق لكنه عاص بتركه النظر والاستدلال فيعفو الله عنه أو يعذبه بقدر ذنبه وعاقبته الجنة وهذا يشعر بأن مراد الأشعري أنه لا يكون مؤمنا على الكمال كما في ترك الأعمال وإلا فهو لا يقول بالمنزلة بين المنزلتين ولا بدخول غير المؤمن الجنة وعند هذا يظهر أنه لا خلاف معه على التحقيق ومنهم من قال لا بد مع ابتناء الاعتقاد على الدليل من الاقتدار على مجادلة الخصوم وحل ما يورد عليه من الإشكال وإليه ذهبت المعتزلة ولم يحكموا بإيمان من عجز عن شيء من ذلك بل حكم أبو هاشم بكفره فإن بنوا ذلك على أن ترك النظر كبيرة تخرج من الإيمان إذا طرأت وتمنع من الدخول فيه إذا قارنت فهي مسئلة صاحب الكبيرة وقد سبقت وإن أرادوا أن مثل هذا التصديق لا يكفي في الإيمان أو لا ينفع فمسئلة أخرى وبهذا يشعر تمسكاتهم وهي وجوه الأول أن حقيقة الإيمان إدخال النفس في الأمان من أن يكون مكذوبا ومخدوعا وملتبسا عليه على أنه أفعال من الأمن للتعدية أو للصيرورة كأنه صار ذا أمن وذلك إنما يكون بالعلم ورد بأنه يجعل متعلقا بالمخبر مثل آمنت به وله لا بالسامع فالمناسب عند ملاحظة الاشتقاق من الأمن أن يقال معناه آمنه من المخالفة والتكذيب على ما صرح به
(٢٦٥)