الهيكل المحسوس بما له من المزاج والقوى والأعراض وأن ذلك يفنى بالموت وزوال الحياة ولا يبقى إلا المواد العنصرية المتفرقة وأنه لا إعادة للمعدوم وفي هذا تكذيب للعقل على ما يراه المحققون من أهل الفلسفة وللشرع على ما يراه المحققون من أهل الملة وتوقف جالينوس في أمر المعاد لتردده في أن النفس هو المزاج فيفنى بالموت فلا يعاد أم جوهر باق بعد الموت فيكون له المعاد واتفق المحققون من الفلاسفة والمليين على حقية المعاد واختلفوا في كيفيته فذهب جمهور المسلمين إلى أنه جسماني فقط لأن الروح عندهم جسم سار في البدن سريان النار في الفحم والماء في الورد وذهب الفلاسفة إلى أنه روحاني فقط لأن البدن ينعدم بصوره وأعراضه فلا يعاد والنفس جوهر مجرد باق لا سبيل إليه للفناء فيعود إلى عالم المجردات بقطع التعلقات وذهب كثير من علماء الإسلام كالإمام الغزالي والكعبي والحلمي والراغب والقاضي أبي زيد الدبوسي إلى القول بالمعاد الروحاني والجسماني جميعا ذهابا إلى أن النفس جوهر مجرد يعود إلى البدن وهذا رأي كثير من الصوفية والشيعة والكرامية وبه يقول جمهورالنصارى والتناسخية قال الإمام الرازي إلا أن الفرق أن المسلمين يقولون بحدوث الأرواح وردها إلى الإبدان لا في هذا العالم بل في الآخرة والتناسخية بقدمها وردها إليها في هذا العالم وينكرون الآخرة والجنة والنار وإنما نبهنا على هذا الفرق لأنه يغلب على الطباع العامية أن هذا المذهب يجب أن يكون كفرا وضلالا لكونه مما ذهب إليه التناسخية والنصارى ولا يعلمون أن التناسخية إنما يكفرون لإنكارهم القيامة والجنة والنار والنصارى لقولهم بالتثليث وأما القول بالنفوس المجردة فلا يرفع أصلا من أصول الدين بل ربما يؤيده ويبين الطريق إلى إثبات المعاد بحيث لا يقدح فيه شبه المنكرين كذا في نهاية العقول وقد بالغ الإمام الغزالي في تحقيق المعاد الروحاني وبيان أنواع الثواب والعقاب بالنسبة إلى الروح حتى سبق إلى كثير من الأوهام ووقع في السنة بعض العوام أنه ينكر حشر الأجساد افتراء عليه كيف وقد صرح به في مواضع من كتاب الأحياء وغيره وذهب إلى أن إنكاره كفر وإنما لم يشرحه في كتبه كثير شرح لما قال أنه ظاهر لا يحتاج إلى زيادة بيان نعم ربما يميل كلامه وكلام كثير من القائلين بالمعادين إلى أن معنى ذلك أن يخلق الله تعالى من الأجزاء المتفرقة لذلك البدن بدنا فيعيد إليه نفسه المجردة الباقية بعد خراب البدن ولا يضرنا كونه غير البدن الأول بحسب الشخص ولا امتناع إعادة المعدوم بعينه وما شهد به النصوص من كون أهل الجنة جردا مرد أو كون ضرس الكافر مثل جبل أحد يعضد ذلك وكذا قوله تعالى * (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) * ولا يبعد أن يكون قوله تعالى * (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم) * إشارة إلى هذا فإن قيل فعلى هذا يكون المثاب والمعاقب باللذات والآلام الجسمانية غير
(٢١١)